مصر في حداد رسمي بعد العملية الإرهابية قرب الحدود الغربية والتي راح ضحيتها 22 من ضباط وأفراد الجيش، وعلى رغم الهم الداخلي تفرض التطورات في قطاع غزة نفسها على المصريين، يستمر الإرهاب وجهود مكافحته، وتتواصل تظاهرات وحرائق وعنف «الإخوان» ومحاولات حصارهم، وتداعيات رفع أسعار الكهرباء والمحروقات. وعلى رغم الاستعداد للانتخابات البرلمانية وترقب البلاد لمؤتمر «أصدقاء مصر» الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والتركيز على إعداد مشاريع صناعية وزراعية وخدمية، وعلى رغم أن مصر تعاني آثار أكثر من ثلاث سنوات من الانفلات والصراعات بينها سنة من حكم «الإخوان»، والآن تواجه خطط وأموال قطر وطموحات تركيا ومؤامرات التنظيم الدولي لـ «الإخوان المسلمين»، إضافة إلى تهديدات عبر الحدود مع ليبيا، واختراقات من الحدود مع السودان، بقيت القضية الفلسطينية تحتل المرتبة الأولى في سلم الأولويات المصرية، لأسباب تاريخية وجغرافية وروابط دينية وأسرية وعرقية، تحول دون أن تبتعد أي قيادة مصرية عن القضية الفلسطينية.
مصر تتعامل مع فلسطين كدولة لها رئيس وسلطة، على رغم أن الأوضاع على الأرض تشير إلى أن المتحكم هنا فصائل وجماعات وتنظيمات الأكثر نفوذاً فيها ينتمي إلى جماعة أممية لها أفكار تتخطى الأوطان ومصالح معقدة وعلاقات متشابكة وعداوات متنوعة خصوصاً مع مصر بعد إسقاط حكم «الإخوان» فيها. لكن مصر تاريخياً ووجدانياً مع فلسطين وهي الآن في موقف مضاد للجماعات الأصولية المتشددة، بما فيها «حماس»، خصوصاً بعد ما جرب المصريون حكم الجماعة وتبينوا أن لا ثمن لوطن عند «الإخوان». رحبت السلطة الفلسطينية بالمبادرة المصرية بينما رفضتها «حماس» التي تستند إلى دعم تركي – قطري وتريد الاستفادة من الموقف بما يتجاوز قضية معبر رفح، إذ ليس منطقياً إخضاعه لإشراف دولي، إذ لا يوجد طرف في اتفاقات المعابر اسمه «حماس»، هناك فقط «السلطة الفلسطينية» التي أفرزتها اتفاقات أوسلو… «حماس» تسعى إلى الحصول على اعتراف دولي، وتحسين موقفها التفاوضي مع العالم ومع السلطة الفلسطينية، وتحقيق أي فائدة ولو معنوية لـ «الإخوان المسلمين». ولذلك كان خيارها الالتزام بما يمليه التنظيم الدولي لـ «الإخوان»، ومعه بالطبع قطر وتركيا، بغض النظر عن إنقاذ أهلها.
قد تكون إسرائيل في حاجة إلى حرب لإجهاض خطة جون كيري للسلام في المنطقة، وهي استثمرت أسر 3 من مواطنيها وقتلهم لتشن الحرب، أما «حماس» فلم تبذل أي جهد للاحتفاظ بالإسرائيليين الثلاثة للمساومة عليهم كأسرى وتركتهم للقتل. ربما تحتاج «حماس» أيضاً إلى حرب لاستعادة صورتها كقوة مقاومة بعدما أظهرتها علاقتها بإخوان مصر كمجرد تنظيم إخواني يقدم الولاءات العقائدية على حساب فلسطين.
ولأنها فرع للإخوان، فإن حركة «حماس» تعاني أيضاً من خلل بنيوي. فالحركات الإسلامية الأصولية وعلى رأسها «الإخوان»، تعتقد هذه الحركات أن ثمة مصلحة موقتة قد تجمعها مع الأعداء، ثم تفعل بعد ذلك ما تراه هي محققاً لأهدافها «الإسلامية». والنتيجة أن جماعات وتنظيمات إسلامية على مدى عقود حققت أهداف الأعداء، ولو من دون قصد.
على المستوى الشعبي المصري فإن الوفاء لفلسطين باقٍ، والرغبة في تحريرها قائمة، والمشاهد مؤلمة، لكن أيضاً مشاهد دماء الشهداء المصريين لا تفارق أذهان المصريين، وحادثة الوادي الجديد زادت الشعور بالعداء للحركات الإسلامية بما فيها «حماس». يرسل المصريون مساعدات طبية وغذائية إلى غزة ويؤيدون استقبال جرحاها، ولكنهم يعارضون بشدة تدخل الجيش المصري لمحاربة إسرائيل، لأن من يحكمون غزة من وجهة نظرهم تعاونوا مع إسرائيل، ويعتقدون أن على الفلسطينيين تنظيف بلادهم بأنفسهم حتى يتمكنوا من مقاومة الاحتلال من دون وجود متواطئين.
محمد صلاح/الجيش المصري إلى غزة!
15
المقالة السابقة