المنازلة الحاصلة بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والعدو الإسرائيلي هذه المرة، لها طابع خاص مختلف عما جرى في الاعتداءات السابقة، فهناك أمور تحدث للمرة الأولى في الحرب الدائرة بين العدوان اليهودي الصهيوني الإسرائيلي المسمى “الجرف الصامد”، وبين الرد الفلسطيني في عملية “البنيان المرصوص”، وبمقدار ما تعبر معركة المصطلح عن الصراع التاريخي بين عدو إسرائيلي تقوم روايته على “الوهم والاختلاق والتزييف”، ويعمل على جرف التاريخ والجغرافيا والهوية، وتجريف الحالة الفلسطينية، مقابل الإصرار الفلسطيني على البقاء والصمود في بنيان مرصوص يشد الفلسطينيون إصر بعضهم بعضا، على الأقل بين من يؤمنون بالمقاومة من هؤلاء الفلسطينيين.
ما يميز حركات المقاومة في قطاع غزة هو خوض معركة مع الاحتلال الإسرائيلي بهدوء ودون انفعالات رغم استهداف الاحتلال للمنازل والمدنيين، والتنسيق الميداني المشترك بين كل فصائل المقاومة في الميدان واستخدام المقاومة تكتيكات جديدة، وعدم انجرارها وراء ردود الأفعال العاطفية، والعمل ضمن آليات تتحكم بطبيعة وكيفية الردود ودون الانجرار إلى ردود فعل يحركها العدو، واعتماد المقاومة الفلسطينية على الحرب النفسية، وتوجيه رسائل مؤثرة للإسرائيليين معتمدة على الحسابات السياسية والعسكرية الموزونة، وهذا يدل على مراكمة التجربة لدى فصائل المقاومة والاستفادة من الأخطاء في حربها مع العدو الصهيوني.
نجحت حماس والجهاد وألوية الناصر صلاح الدين في إدارة المعركة وبث الرعب في قلوب الإسرائيليين في المدن والبلدات التي يحتلونها في فلسطين، وهذا ما تظهره الصور والأفلام التي تم بثها على مواقع الإنترنت، وقد أدى ذلك إلى توقف الأعمال، وهروب مئات ألوف المستوطنين المحلتين إلى الملاجئ، وتعد هذه ضربة قوية في المعركة التي يخوضها الفلسطينيون ضد الاحتلال.
كثيرة هي الأحداث التي تقع للمرة الأولى وهي تصب في صالح الفلسطينيين، فلأول مرة يتم قصف تل أبيب وحيفا ومفاعل ديمونا بالصواريخ الفلسطينية، وهذا يعني أن الصواريخ الفلسطينية صارت أبعد مدى وأكثر دقة، وقد تعمدت حماس على عدم إصابة مفاعل ديمونا إصابة مباشرة بالصواريخ التي تحمل رؤوسا متفجرة، لتفادي وقوع كارثة بيئية نووية، فمفاعل ديمونا النووي قديم ويعاني من الشقوق، وفيه الكثير من المشاكل، ويمكن أن تؤدي الإشعاعات النووية إلى الإضرار بكل السكان في فلسطين والأردن وسيناء، وهذا ما منع حماس من توجيه ضربة مباشرة للمفاعل، وكذلك نجحت حركة الجهاد الإسلامي بضرب مطار بن غورين، مما أدى إلى شل الحركة فيه، وهذا يحدث للمرة الأولى فلسطينيا، مما يعني أن هذه المواقع الإستراتيجية المهمة صارت رهينة بأيدي الفلسطينيين، يمكن التهديد بقصفها في أي وقت.
القصف لأول مرة طال مستوطنات “روحوف” و”بيت يام” ومطار “رامون العسكري”، إلى جانب إعادة قصف مستوطنة “ياد مردخاي” و”سيديروت” وكرم أبو سالم و تسليم وموقع ملكة، بصواريخ جديدة تستخدم لأول مرة، لكن التطور الأبرز هو مهاجمة قاعدة “زيكيم” العسكرية الإسرائيلية، وهي قاعدة تتمتع بتحصينات أمنية مشددة، ويوجد بها مصفاة نفط ومحطة توليد كهرباء تمد جنوب الكيان الإسرائيلي بالكهرباء، فضلا عن وجود القاعدة العسكرية، مما يجعل مهاجمة القاعدة عملية نوعية للمقاومة.
ونجاح مقاتلي كتائب القسام بالوصول إليها يعد تطورا نوعيا، فهذا قتال وجه لوجه في العمق الإسرائيلي، ليس من خلال عمليات انتحارية أو قصف بعيد المدى، بل بعملية إنزال لكوماندوز من قوات النخبة في “الضفادع البشرية” التابعة لقوات القسام.. فهناك إجماع إسرائيلي على أن مهاجمة قاعدة زيكيم العسكرية عملية نوعية ومفاجئة وجريئة لجيش الاحتلال الإسرائيلي.