دخلت مصر مرحلة جديدة من الغلاء بعد ان قررت الحكومة رفع أسعار الوقود اعتبارا من امس بهدف الشروع في معالجة عجز موازنة الدولة المتفاقم، وتراوحت نسب الزيادة ما بين ( 40 الى 78 ) في المائة، وشملت البنزين باصنافه والديزل، واللافت ان زيادة البنزين 95 اوكتان تم رفع سعره فقط بنسبة 7%، واعلى نسبة زيادة طالت البنزين الشعبي فئة 80 اوكتان الذي ارتفع سعره بنسبة 78%، والديزل بنسبة 63%، وان الاسعار الجديدة ستكون صادمة للشارع المصري بالرغم ان هذه الاسعار متدنية جدا بالنسبة لمعظم دول الاقليم بما في ذلك بعض الدول النفطية في الخليج العربي.
زيادة أسعار الوقود هي الخطوة الثانية بعد زيادة أسعار الكهرباء في مصر بهدف اصلاح نظام الدعم الذي يرهق الموازنة العامة ويرتب عليها سنويا نحو 144 مليار جنيه، بما يهدد استقرار الاقتصاد المصري الذي عانى بقوة خلال الاعوام القليلة الماضي بخاصة بعد الاطاحة بنظام الرئيس مبارك، وزيادة الاسعار للطاقة والوقود يمهد الطريق امام الاقتصاد المصري للتعامل مع الكلف الحقيقية للمنتجات ( السلعية والخدمية )، وإضفاء المصداقية للقرارات الاقتصادية والمالية بشكل عام.
قرار رفع اسعار الوقود، وقبله زيادة اسعار الطاقة الكهربائية، سيضع القطاع الخاص من مستثمرين وجمهور المستهلكين امام استحقاقات مالية واقتصادية من نوع جديد، فالوقود والكهرباء ليستا ( من السلع الرمضانية او الكمالية او الموسمية ) وانما هي سلع ارتكازية في الاقتصاد تعمل بسرعة على قيادة موجات من الغلاء وتضخم يرهق المستهلكين اولا، وتؤثر بصورة سلبية على تنافسية السلع والمنتجات المصرية في اسواقها المحلية واسواق التصدير ثانيا، وهذه تحديات جديدة على صاحب القرار في القطاعين العام والخاص مواجهتها واستقطاع آثارها على الاقتصاد الكلي، وهذا يحتاج الى خطط فرعية.
ان رفع اسعار الوقود والطاقة الكهربائية قرار لابد منه لاسباب عديدة في مقدمتها الانخفاض الكبير لاسعار سلع استراتيجية تتزايد اثمانها في العالم، وانه كلما انخفضت اثمانها ووجهت بالهدر، ولايتم مراعاة معامل الارتباط بين استهلاك الوقود والطاقة والقيمة المضافة لذلك، ويجدر هنا الاشارة انه كان من الاجدى رفع الاسعار تدريجيا لتمكين المواطنين من استيعاب ذلك واعادة النظر في ترتيب سلة الاستهلاك لاسيما للفقراء بشكل خاص.
خصوم الرئيس المصري سيجدون في قرار رفع اسعار الوقود والكهرباء فرصة سانحة لحشد الشارع المصرع طبعا لاهداف سياسية، وهنا اي رئيس او نظام سياسي في مصر لا يمكنه الاستمرار بالعمل وفق اسعار الطاقة والوقود السابقة التي تعتبر من ارخص الاسعار في العالم، وان هدف تقليص فجوة التمويل السنوية امر ضروري، الا ان المضي قدما في هذه السياسة يتطلب تقديم بدائل رخيصة لنقل الركاب العام، واعفاء سلع غذائية اساسية من الجمارك والضرائب لتمكين المواطنين من العيش الكريم.