اتفاق المصالحة الأخير الذي تم توقيعه بشأن مخيم اليرموك قبل أيام، ما زال حبرًا على ورق، وما زالت المماطلات والتسويفات تسود الموقف في ظل الاختلال القائم بين مختلف الفصائل والمجموعات المسلحة الموجودة داخل المخيم، حيث يعمل بعضها على تعطيل تنفيذ الاتفاق تحت ذرائع مختلفة، فيما تريد الناس الوصول للحل وتطبيق الاتفاق بأسرع وقت ممكن، فالعبرة بالتنفيذ في نهاية المطاف.
في هذه الأثناء، تَشهد العديد من المناطق المحيطة بدمشق إما تصعيدًا عسكريًّا يوميًّا تقريبًا على جبهة المليحة وجوبر ودوما وبعض مناطق الغوطة الشرقية على سبيل المثال حيث تزداد رقعة سيطرة الدولة وانحسار وجود المعارضة المسلحة، أو حالة من ما بات يعرف بـ”المصالحات والتسويات” في مناطق القدم والعسالي وجورة الشريباتي والمادنية المجاورة لليرموك من جهة الغرب، وذلك بغض النظر عن هشاشتها في تلك المناطق أو بعضها، ورسوخها النسبي في مناطق ثانية كحي برزة والقابون.
المساعدات والإمدادات الغذائية لم تعد مشكلة بالنسبة لليرموك، فقد تم إدخال كميات كبيرة نسبيًّا من المواد والسلات الغذائية لليرموك خلال الأسابيع الماضية، بما في ذلك كميات كبيرة من الخضراوات والفاكهة، ومعظمها مساعدات مقدمة من وكالة الأونروا ومن العديد من المؤسسات الوطنية الفلسطينية المجتمعية الفاعلة في الوسط الفلسطيني في سوريا وحتى من خارج سوريا كحملة الوفاء الأوروبية التي يُنظمها باستمرار ومن حين لآخر، بعض المجموعات الفلسطينية السورية الموجودة في الغرب الأوروبي، ومعظمها مؤسسات لا علاقة لها بأي من القوى والفصائل المختلفة.
إن الوضع المُحير لمخيم اليرموك لجهة التباطؤ والتلكو في موضوع اتفاق المصالحة، واحتمالات فشلها/ يطرح العديد من الأسئلة، وخصوصًا منها الأسئلة المتعلقة بتراجع دور وحضور عموم القوى والفصائل الفلسطينية بما فيها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في العمل من أجل المساعدة على حلحلة المشاكل التي ما زالت تعترض مسارات حل أزمة اليرموك، ومسألة عودة الناس الذين أنهكتهم الظروف الصعبة التي نشأت عن تشردهم وخروجهم من اليرموك، والمعاناة الكبرى التي يعيشون فصولها نتيجة هذا القوس الواسع من الشتات الجديد في مناطق مدينة دمشق المختلفة، وحتى خارج سوريا.
ويبدو هنا بأن الفصائل الفلسطينية قد استسلمت أمام الواقع الصعب، فاقتصر عملها على الإطلالات واللقاءات المعنوية على مداخل مخيم اليرموك، وبين الناس في بعض التجمعات الفلسطينية التي ما زالت في محيط هادئ نسبيًّا كمخيمي جرمانا وخان دنون.
استسلام الفصائل للواقع الراهن وقبولها بدورها المتواضع، ينسجم مع الموقف العملي المتمثل باللامبالاة تجاه أزمة مخيم اليرموك، وذلك من قبل المرجعيات الفلسطينية العليا التي يفترض بها أن تلعب دورًا مؤثرًا من أجل بلورة الحلول الممكنة والتي يتم يفترض أن يتم بموجبها إعادة الناس لمنازلهم وإنهاء معاناتهم اليومية التي باتت تتعدى كل حدود التحمل لديهم، وتحديدًا في جانبها الاقتصادي، وفي جانبها المتعلق بالمأوى في ظل الارتفاع الصاروخي لبدلات إيجار المنازل في المناطق الآمنة بدمشق، وفي ظل الإقامة الصعبة للبعض من مشردي اليرموك في المآوي الجماعية التابعة للوكالة وحتى في بعض المدارس الحكومية التي تم تخصيصها للنازحين من مناطق التوتر الساخنة.
في هذا السياق، نشير إلى أن الحالة المسلحة الموجودة في اليرموك والمحسوبة على مختلف أطراف المعارضة السورية ليست بالكبيرة من ناحية العدد والعتاد كما تشير مختلف المعطيات الملحوظة على أرض الواقع من قبلنا، بالرغم من تواصلها الجغرافي إلى الجنوب من اليرموك مع بعض الجيوب التي تتواجد فيها المجموعات المسلحة وخاصة منها جبهة النصرة في منطقتي الحجر الأسود ويلدا وغيرهما. فيما طرأ تحول على الحالة الفلسطينية المسلحة والمحسوبة على المعارضة السورية داخل اليرموك ومنها مجموعة (أكناف بيت المقدس) و(العهدة العمرية)، وهي حالة متواضعة الحضور من الناحية العسكرية بشكلٍ عام، وأصبحت تسعى منذ عدة أشهر للوصول لتسوية حول وضع مخيم اليرموك مع عموم الفصائل وبمعرفة ومتابعة الجهات الرسمية السورية المعنية.
وخلاصة القول، تعيش مختلف المناطق السورية المحيطة بدمشق والتي سادتها الأعمال العنفية محاولات للتهدئة تحت عنوان “التسويات والمصالحات” حيث نجحت تلك المحاولات في مناطق كثيرة، فيما بقي باقي المناطق الساخنة تشهد عملًا عسكريًّا يوميًّا، فيما حالة مخيم اليرموك تراوح مكانها منذ فترة طويلة حتى مع توقيع اتفاق المصالحة الأخير الذي ما زال حبرًا على ورق، بالرغم من مئات اللقاءات التي تم عقدها بين اللجان المعنية التي شكلتها الفصائل الفلسطينية الــ(14) مع قيادات المعارضة المسلحة الموجودة في مختلف مناطق مخيم اليرموك. وملاحظتنا الجوهرية هنا تتمثل بالإشارة لقصور دور الفصائل والقوى الفلسطينية، واستمرار تبايناتها الداخلية عند الحديث عن التفاصيل، بالرغم من اتفاقها على العنوان العام المتعلق بضرورة حل مشكلة مخيم اليرموك وتحييد الفلسطينيين بالحدود الممكنة عن مسارات الأزمة السورية وتفاعلاتها اليومية على الأرض.
والملاحظة الإضافية الثانية على دور القوى والفصائل، تتعلق بغيابها عن الفعل المادي الملموس المطلوب لتقديم المساعدات الممكنة (العينية والمادية) للناس بجوانبها المختلفة، حيث تتحمل وكالة الأونروا ومعها بعض المؤسسات المجتمعية العبء الأكبر في هذا الجانب إلى جانب الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في سوريا، فيما تلوذ غالبية الفصائل عن هذا الميدان.
الفصائل وبقصورها الفاقع، أثارت وما زالت تثير سخط الناس، فهناك فصائل تناست وجع الناس، منها فصيل فلسطيني يدعو الناس في هذه الأوقات، بمن فيهم مهجرو اليرموك لحضور ندوة سياسية في مخيم جرمانا لمناقشة مآلات خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ويدعو لأمسية سياسية ثانية لمناقشة بعض من أدبياته، ويحتفل بمناسباته الخاصة وكأن لا شيء في أحوال الناس من فلسطينيي سوريا …!