كتاب جميل وموثق انصف الرجل واعطاه حقه
أمين كامل قعوار.. مكتشف الفوسفات .. نذر من حياته ربع قرن للتعدين
قنصلاً فخرياً للدنمارك..
سلم الراية لإبنه توفيق الذي سلمها لابنه ردين ..
عروبة الإخباري– كتب سلطان الحطاب .. وصلني كتاب الدكتور رؤوف ابو جابر عن الراحل امين قعوار والذي جاء اسمه موصوفاً بأنه اكتشف الفوسفات ..
ورحلة قعوار طويلة وغنية ,, تتبعها ابو جابر ببصره وبصريته ونسج منها كتاباً قيماً تفخر به المكتبة الاردنية ويعتز به ابناء الاردن وهم يضعون بين ايديهم ومن خلال الورق علماً من اعلام البلاد واحد بناة اقتصاده الوطني بفتحه حقلاً جديداً من حقوله وهو التعدين للفوسفات بعد ان كان اول المكتشفين له واستثماره .. صحيح ان الفوسفات كان موجودا في الاردن وفي الطبيعة منذ تكوين الخليقة ولكن من دل عليه وعمل على تعدينه ولفت الانتباه اليه واكتشاف قيمته ودوره في الاقتصاد الوطني,هذا الرجل “امين قعوار” الذي يذكر بقصة الاديب الانجليزي والرسام المعروف اوسكار وايلد الذي قال “بقي ضباب لندن مجهولاً الى ان اكتشفناه والمقصود توظيفه في اللوحات التي رسمها ورسمتها مدرسته الطبيعية وكأنه مكتشف لضباب اللندني الشهير..
ابو جابر انصف قعوار وسجل عنه سيرة حياة حافلة بالانجازات وأشار الى مواهبه المتعددة والى مبادراته والى حبه الشديد في خدمة بلده الاردن ووضع حجر اساس في اقتصادياته الناشئة انذاك..
فقد كانت ولادة الراحل “امين قعوار” قبل تأسيس المملكة وحتى قبل مطلع القرن الماضي حين كانت بلادنا ترزخ تحت حكم الاتراك العثمانيين وفي الفترة التي كان العسف التركي ضد العرب قد بلغ ذروته حيث بدأت تتشكل الجمعيات المناهضة للتتريك والمتطلعة للاستقلال ..
لقد كان مولده في عام 1892 وهي الفترة التي وضعت الحركة الصهيونية خطتها للتنفيذ في غزو فلسطين واستيطانها . وهذا التاريخ ايضاً سبق اعلان المؤتمرات المتعلقة بتقسيم بلادنا (بلاد الشام) في اتفاقيات سايكس بيكو وصدور وعد بلفور .. المؤلف تتبع حياته وذكر والده وجده ودورهما في بلدهما الناصرة حيث تولى جده رئاسة بلدية الناصرة منذ اسسها عام 1875 وحتى وفاته 1888 وقد ورث الزعامة والمشيخة عن اجداده وقد لعب جده دوراً في ابعاد احداث عام 1860 والفتن التي صاحبتها عن بلده ومنطقته بفضل حكمته..
وميزة الكتاب انه مزود بصور نادرة لشخصيات من ال قعوار وبوثائق تتعلق بهم .
وامين قعوار الذي ترجم له ابو جابر والف عنه كتاباً درس الصيدلة وعمل استاذ لتدريس الانجليزية في دار المعلمين بالناصرة .. اما زوجة امين قعوار كانت “كلثوم” فهي من عائلة قعوار وكانت تتقن العربية والانجليزية .. وقد استطاع الكتاب ان يتتبع شجرة العائلة منذ منصور مراد عام 1730 وحتى اليوم
وكعادته يهتم الدكتور ابو جابر بالبعد التاريخي والموضوعي للفترة الزمنية التي يتبلور فيها تكوين العائلة وبروز شخصية امين كامل قعوار. ولما كانت فلسطين تحت الانتداب وقد ارسلت عديد من الموظفين المميزين الى ادارة شرق الاردن التي كانت تحت الانتداب البريطاني ايضا فان عديد من افراد العائلة قد حلو في الاردن وكان من ابرزهم الدكتور “طنوس” عم “امين” وايضا اخيه “باز” الذي تولى ادارة البريد في شرق الاردن وقد استقر العديد من افراد العائلة وكان من ثمار عملها تاسيس صيدلية الامارة بشارع الرضا في عمان ..
وقد كان لمبادرة الاخ “باز” الاثر في دعوة اخيه كامل للحضور الى عمان وافتتاح الصيدلية فكانت البداية لمشوار طويل ..
الكتاب لم يؤرخ حياة “امين قعوار” فقط بل العائلة والكثير من الشخصيات النصراوية والقريبة من تلك التي انتدبت للعمل في شرق الاردن
من الصيدلة ومن جعبتها خرجت جهود امين كامل قعوار الى المعادن والتعدين واختيار الفوسفات التي يسجل اكتشافها في الاردن لهذه الشخصية المبادرة .
وحتى يجسد قعوار اكتشافه اسس لذلك شركة خاصة .ولعل من الإضاءات الفاعلة في تدوين هذه المرحلة ما كتبه “توفيق قعوار” عن قصة الفوسفات وكيف ان امين قعوار استعان باصدقائه لاستكمال مشروعه وتوجه الى مصر ليستفيد من خبرتها وجلب معه منها مهندسا وقد تطور الامر باكتشاف كميات كبيرة كان على قعوار عندها اقناع الممولة (مس نيوتن ) التي كانت تقيم في حيفا بذلك ولكنها ارسلت بدورها مهندسا بريطانيا توصل الى ماتوصل له المهندس المصري .وبدا المشوار..مكتب صغير في خلفية الصيدلية منه طاوله صغيرة في شارع الرضا بعمان والاثاث طابعة صغيرة فوق الطاولة .وبدا قص الجبل وبدا العمال يغربلون الفوسفات بغرابيل عادية وينشرونه ليجف ثم يصدر ..وبدا السؤال الفوسفات من اين والى اين من سيبيع ويراسل ويفتح اسواق؟ وبعد رسائل عديدة قبلت شركة بريطانية شراء شراء(300) طن..ولكن كيف الشحن وكيف الوصول الى القطار اذ لم تكن هناك محطة في الرصيفة وكيف الوصول الى حيفا .وجاء الحل باستعمال الجمال والحمير وعربات الشركس التي تجرها الابقار ونقلت الكميات عبر سيل الرصيفة المتدفق بالمياه وسمح للقطار ان يتوقف ساعة واحدة .وبدا المشوار ولكن بداية الحرب العالمية الثانية اوقفت التصدير الذي بدا لتوه وفي سبيل التغلب على رحيل الشركة البريطانية اشترى “امين قعوار” حصتها بعد ان استدان المال واصبح له ثلثا الشركة .
لم يسمح لقعوار ولا لأي عربي تصنيع الفوسفات الواصل لفلسطين فجرى بيع المادة (خام).
وواصل قعوار خرق الجبل كما قيل واستمر تصدير الفوسفات الى حيفا ثم الى عكا حيث جرى انشاء ميناء خاص وجرى تملك قطعة ارض(11) دونم كميناء على المتوسط وما زال ثمن هذه الارض حتى اليوم في ميزانية شركة الفوسفات .ومع الزمن تحولت الشركة العادية الى شركة الفوسفات المحدودة برأسمال (125) الف جنيه فلسطيني .
ولما كان النقل من حيفا الى عكا تعوزه الوسائل اقترض قعوار (15) الف دينار من البنك العربي ليشتري ثمانية سيارات شاحنة مستعملة من معسكرات الجيش ونقلها الى عمان وباشر بالنقل مع اندلاع حرب 1948 وتقسيم فلسطين سقط الميناء بيد العصابات الصهيونية وجرى تسريح العمال والموظفين.وانتقل التصدير الى ميناء بيروت في عام -1951 ومنها الى روتردام هولندا.ويضيف توفيق قعوار كانت مقالة مفصلة عن اللحظات الاولى للاكتشاف وما تبعه انه كلف من والده امين كامل قعوار بمتابعة ذلك ..وبدا وصول الفوسفات الاردني الى اوروبا .وبعد ذلك دخلت الحكومة على الخط مع تعاظم قيمة الفوسفات في الاقتصاد الوطني ورفع راس المال الى (300)الف دينار وبدات الشراكة مع الحكومة اعتبارا من 1/1/1954 بروح جديدة .
وبدات الشركة تصعد ويزداد راسمالها والمستفيدين من نتائجها واستمر النجاح حتى عام 1955وزادت الحكومة راسمالها .ووقع تغير مفاجيء.فاستقال قعوار مكتشف الفوسفات بعد (24) سنة من العمل ..ومن منجم صغير بالرصيفة الى ان اصبحت الفوسفات عمودا اساسيا في الاقتصاد الوطني ..
وكانت المعلومات الواردة قد كتبها توفيق قعوار ابن المكتشف في منتصف السبعينيات ولو استمر الان في استكمال الكتابة لرأينا اين وصلت الفوسفات .ولكننا سنبقى نذكر لهذا الرجل الرائد والباني الفضل الاكبر في اطلاق بداية قوية وموفقة وكيف نجح القطاع الخاص وطور مقارنة بما يترتب على عمل القطاع العام من انفاق وبيروقراطية .
لقد اصبحت الفوسفات عنوانا اقتصاديا وطنيا اردنيا ومدرسة للادارة والتدريب على التعدين .وسيبقى المخلصون والباحثون عن تاريخ هذا البلد وتطوره يذكرون لقعوار واولاده من بعده المساهمة الكبيرة والجهد والتفاني والتضحية فقد شكلو بعملهم نموذجا يحتذى لاولئك النفر القليل الذي اعطى الاردن الكثير اذ ان امثال قعوار كانو وما زالو معدودين على اصابع اليد الواحدة لهؤلاء سيظل تاريخ الاقتصاد الاردني يحفظ لهم هذا الدور مهما تبدلت الظروف .
توفيق أمين قعوار
ردين توفيق قعوار
رؤوف أبو جابر
جانب من حفل اشهار كتاب “أمين كامل قعوار مكتشف الفوسفات