لم يكن يتخيل أحد أن تنهار قوات المالكي بسرعة، أمام مسلحين، لا نستطيع أن نحدد من هم حتى الآن، فهناك مقاتلو الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” ومسلحو العشائر، وبعض الكتائب المسلحة التي أعيد بناؤها، ومقاتلون من أتباع “الطريقة النقشبندية” بقيادة عزت الدوري، الرجل الثاني في نظام صدام حسين، والمذهل في المشهد العراقي حاليا، هو سرعة هروب القيادات العسكرية والضباط والجنود من ميدان المعركة، تاركين خلفهم أسلحتهم وعتادهم وتجهيزاتهم، أمام من يسميهم نظام المالكي “المجموعات الإرهابية المسلحة” في الموصل وتكريت وبيجي وغيرها.
أجريت اتصالات هاتفية مع باحثين عراقيين من مختلف الاتجاهات والمشارب، قبل كتابة هذا المقال يوم أمس، لاقف على آرائهم المختلفة، من مؤيدي ومعارضي المالكي، مما يجري، فوجدت حالة من الضبابية تسود لدى الجميع، لأن الأحداث تتسارع بطريقة كبيرة.
الخارطة السياسية تتغير في العراق بطريقة جذرية، فمن المعروف أن العراق خضع للهيمنة الشيعية الكاملة بعد الاحتلال الأمريكي في عام 2003، وتم إقصاء وتهميش المكون الإسلامي “السني”، وتصاعدت عمليات التهميش والإقصاء وتحويل العراق إلى “محمية شيعية” بنفوذ إيراني ضخم، ومع تسلم نوري المالكي رئيسا للوزراء، بدأت عملية ممنهجة لتغيير المشهد في العراق كليا وتحويل المسلمين “السنة” إلى أقلية سياسية واقتصادية ودينية وإقصاؤهم عن الجيش والأمن والوظائف، وإهمال مناطقهم، مما أثار حفيظة المسلمين “السنة” وبدأوا حراكهم من أجل المطالبة بحقوقهم الأمر الذي رفضه المالكي، ورد عليه بالقوة العسكرية ومحاولة الاجتثاث، مما حول الحراك السلمي إلى حالة عنيفة وحرب شاملة، وبدأت العشائر بتشكيل “مجالس عسكرية” في الأنبار والموصل ومناطق أخرى، مع إعلان المالكي عملية “تصفية الحساب” لقتال “الوهابيين التكفيريين الإرهابيين”.
الوافد الجديد بقوة هو تنظيم “داعش”، المنشق عن القاعدة، يرفض أيمن الظواهري الاعتراف به، وهو تنظيم مخترق من عدد كبير من الأجهزة الاستخباراتية، ويتميز بالغموض والمرجعيات المشبوهة والقيادات غير المعروفة، والمدهش أن هذا التنظيم يحاصر مدينة دير الزور في الوقت الذي تحاصر فيه قوات الأسد أحياء أخرى في المدينة وتقصفها بالطائرات والبراميل المتفجرة، مما يثير الشكوك في طبيعة العلاقة بين داعش ونظام الأسد، ويثير التساؤل عن سبب إعلان المالكي أنه يقاتل داعش، دون أي إشارة لقوات العشائر والكتائب المسلحة للمسلمين السنة.
الوضع على الأرض في العراق يتميز بالغموض والسيولة، فقوات المالكي تنهار وتهرب من الموصل وكركوك وبيجي وتعلفر والمسلحون في طريقهم إلى بغداد، وصار سؤال متى تسقط بغداد في أيدي المسلحين هو السؤال الأهم، وعند سقوطها فإن العراق ومنطقة بلاد الشام ستصبح مفتوحة على كل الاحتمالات، فالطريق إلى الأردن سيكون سالكا إذا أراد المسلحون نقل نشاطهم إلى هناك، وستتصل ساحة المعركة في العراق وسوريا، مما سيحولها إلى جبهة واحدة، ومن هناك ستمتد إلى لبنان لقتال حزب الله في عقر داره، وعندها سيمتد هلال النار من العراق إلى سوريا ولبنان.
فلسطين بدورها ستكون على موعد مع الانضمام إلى ساحة الحرب، ولكن لأسباب داخلية، فتعثر اتفاق المصالحة بين فتح وحماس، وتشكل محور “السيسي – عباس – نتنياهو”، للتخلص حماس، بوصفها الذراع العسكرية لجماعة الإخوان المسلمين، بعد هيمنة الانقلابيين بقيادة السيسي على السلطة في مصر، مما يعني اندلاع حرب أهلية فلسطينية ستشمل غزة والضفة الغربية وربما مناطق في فلسطين 48، وهذا ما سيدخل فلسطين في أتون الحرب الطاحنة الممتدة من العراق إلى سيناء، وربما ما هو أبعد من سيناء.
الخارطة في المنطقة تتغير بسرعة، وهي تترك لمصيرها، لأنه لا يوجد أي قوى دولية ترغب بالتورط في هذه النار، ومن الواضح أن القوى المسلحة ستكون لاعبا قويا، على غرار طالبان في أفغانستان، مما سيؤجج حالة من عدم الاستقرار، بسبب عدم على السيطرة، وعدم إمكانية الأنظمة القائمة على هزيمتها، مما يجعل من الحرب فعلا يوميا على الطريقة الأفغانية والصومالية.
علينا أن ننتظر الأيام المقبلة، فهي حبلى بالكثير من المفاجآت الكبيرة.. وربما تكون بداية لحرب شاملة بشر بها ذات يوم، بشار الأسد وحسن نصر الله وأحمدي نجاد ونوري المالكي.
سمير الحجاوي/العراق.. بداية الحرب الشاملة
15
المقالة السابقة