أخيرا وبعد سنوات من الشد والجذب، رأت النور حكومة الوفاق الوطني التي اتفقت عليها حركتا فتح وحماس على تشكيلها من 17 وزيرا، بعد تجاوز عقبة إلغاء وزارة شؤون الأسرى التي أصرت حماس على بقائها، بحل وسط شكل مخرجا أمنا للحكومة من عنق الزجاجة، بحيث يتولى رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله شؤون الأسرى، وهو مخرج يلغي الوزارة عمليا ويبقيها نظريا.
هناك العديد من الملاحظات حول هذه الحكومة العتيدة أهمها أنها “حكومة فتح وحماس” وليست حكومة كل الشعب الفلسطيني، فالمفاوضات كانت تجري بين الطرفين، ولم يكن الآخرون أكثر من “كمالة عدد” في المحفل، فكل الذين شاركوا بتوقيع اتفاق المصالحة بين فتح وحماس، ومن غير التنظيمين، لا يوجد لهم أي قواعد في الشارع الفلسطيني ولا يحظون بأي شعبية تذكر، وهم عبارة عن “ارث تاريخي” لا يوجد له امتداد في الحاضر، فلا حزب الشعب ولا جبهة التحرير العربية ولا المبادرة الوطنية، فهؤلاء ليسوا أكثر من “تلاوين على الطاولة”.
بعيدا عن الاحتفاليات، فإن حكومة “فتح- حماس” جاءت محصلة للظروف الإقليمية الضاغطة قبل كل شيء، وربما قليل من النوايا الحسنة لدى هذا الطرف أو ذاك، فالاختلافات بين الطرفين عميقة ومعقدة، وهي خلافات إستراتيجية تطال الهوية الفلسطينية و “تعريف الفلسطيني” والمقاومة، وطريقة التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، والموقف من عملية التسوية، ولذلك فإن الاتفاق تناول بنودا إجرائية وابتعد عن مناقشة القضايا السياسية والإستراتيجية الأساسية، وهو أمر مبرر مبدئيا، لأن ترتيب البيت الداخلي أولا يسبق الخوض في النقاشات حول القضايا المفصلية، وقد نص هذا الاتفاق الذي وقع في الثالث والعشرين من أبريل نسيان الماضي على:
أولا.. تأكيد الالتزام بكل ما تم الاتفاق عليه في اتفاق القاهرة، والتفاهمات الملحقة، وإعلان الدوحة، واعتبارها المرجعية عند التنفيذ.
ثانيا.. الحكومة: يبدأ الرئيس (محمود عباس) مشاورات تشكيل حكومة التوافق الوطني، بالتوافق من تاريخه، وإعلانها خلال الفترة القانونية المحددة بخمسة أسابيع، استنادا إلى اتفاق القاهرة، وإعلان الدوحة، وقيامها بالتزاماتها كافة.
ثالثًا.. الانتخابات: تأكيد تزامن الانتخابات التشريعية، والرئاسية، والمجلس الوطني، ويخوّل الرئيس بتحديد موعد الانتخابات، بالتشاور مع القوى والفعاليات الوطنية، على أن يتم إجراء الانتخابات بعد 6 أشهر من تشكيل الحكومة على الأقل. ويتم مناقشة ذلك في لجنة تفعيل منظمة التحرير، في اجتماعها القادم، وإنجاز مقتضيات إجراء الانتخابات المذكورة.
رابعًا.. منظمة التحرير: تم الاتفاق على عقد لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية، لممارسة مهامها المنصوص عليها بالاتفاقيات، في غضون خمسة أسابيع من تاريخه، وتأكيد دورية وتواصل اجتماعاتها بعد ذلك.
خامسًا.. لجنة المصالحة المجتمعية: الاستئناف الفوري لعمل المصالحة المجتمعية، ولجانها الفرعية، استنادًا إلى ما تم الاتفاق عليه في القاهرة.
سادسًا.. لجنة الحريات: تأكيد تطبيق ما تم الاتفاق عليه في القاهرة، في ملف الحريات العامة، ودعوة لجنة الحريات العامة في الضفة والقطاع، لاستئناف عملها فورًا وتنفيذ قراراتها.
سابعًا.. المجلس التشريعي: تأكيد تطبيق ما تم الاتفاق عليه، بتفعيل المجلس التشريعي والقيام بمهامه.
الخطوة الأولى أنجزت وهي تشكيل الحكومة، لكن الخطوات الأخرى هي الأهم، فبعد 6 شهور لا بد من انتخاب الرئيس وأعضاء المجلس التشريعي والمجلس الوطني، وهي مهمة معقدة لأنها تشمل الفلسطينيين داخل وخارج فلسطين، فمشاركة الفلسطينيين خارج فلسطين في الانتخابات يرتبط بسماح الدول التي تستضيفهم، ومن المعروف أن بعض الدول العربية ترفض إجراء هذه الانتخابات على أراضيها، كذلك هناك المشكلة المعقدة المتعلقة بإعادة هيكلة منظمة التحرير على اسس جديدة، والتي يفترض أن تكون انعكاسا لنتائج الانتخابات على الأرض، وكذلك مشكلة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين من الطرفين ووقف التعاون الأمني مع الاحتلال في الضفة الغربية.