انشغل الإعلام المصري ـــ على وجه التحديد والعربي على وجه العموم ـــ بالانتخابات المصرية التي جرت في الأسبوع الماضي وأخذوها مأخذ الجد والكل يعلم علم اليقين بأن الفوز سيكون من نصيب المشير السيسي قائد الانقلاب العسكري، وكان دور حمدين صباحي في تلك الانتخابات يمثل دور ” الزوج المحلل ” قرأت ما قرأه الأستاذ فهمي هويدي على الفيسبوك، حديث المستشار أحمد عطية أبوشوشة القاضي الذي أشرف على لجنة فرعية بإحدى قرى مصر في محافظة البحيرة وذكر القاضي أبوشوشة أن عدد الناخبين المسجلين في تلك اللجنة 2108 ناخبين، يروي القاضي أبوشوشة المشرف على تلك اللجنة أنه حضر مندوبو ووكلاء المشير السيسي ولم يظهر مندوبو صباحي طوال فترة العملية الانتخابية وقد شارك في اليوم الأول عدد 331 ناخبا.
أدرك ممثلو السيسي خطورة الموقف وراحوا يعدون حملة تشترك فيها مؤسسات الدولة يحضون فيها السكان على الإقبال على اللجنة للإدلاء بأصواتهم كان ذلك عبر مكبرات الصوت التي راحت تجوب حواري القرية وقد أمر مندوب وزارة الأوقاف إمام مسجد القرية بمخاطبة الجمهور يحضهم على التوجه إلى لجنة الانتخابات عبر مكبرات الصوت في المسجد وبعد كل الجهود وصل عدد المصوتين بعد الإعلان الرسمي بتغريم كل ممتنع عن التصويت بمبلغ 500 جنيه وكذلك قطع البطاقة التموينية. بعد هذا الجهد من الترهيب وصل العدد إلى 986 ناخبا، أما السيد حمدين صباحي فقد حصل على 19 صوتا فقط.
وسائل الإعلام المصرية الرسمي منها والخاص منذ الثالث من يونيو العام الماضي أمطرتنا بوابل من الأخبار والتحليلات السياسية بأن الشارع المصري عن بكرة أبيه يرفض قيادة “حزب الحرية والعدالة ” الحزب الذي قاعدته حركة الإخوان المسلمين، وقيل لنا عبر وسائل الإعلام المصرية إن الشعب اندفع إلى الشوارع معبرا عن رفضه لحكم الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي والذي لم يكتمل عامه الأول في الرئاسة كان الاندفاع الجماهيري بقوة شعبية قدرت في حينه بثلاثين مليون إنسان وفي رواية إعلامية مصرية أخرى قيل لنا 50 مليونا أو أكثر وصدق البعض هذه الأقوال وتحفظ عليها آخرون وكذبها العالمون بمعرفة المساحة وكم فرد في كل متر مربع.
قيل لنا إن الرئيس محمد مرسي “أخون أجهزة الدولة” بتعيينه قيادات الإخوان المسلمين في مفاصل الإدارة الحكومية، والحقيقة أن تشكيلة مجلس الوزراء التي وافق عليها الرئيس مرسي لا يوجد بها أكثر من خمسة وزراء ينتمون إلى حركة الإخوان المسلمين بينما هناك أكثر من ثلاثين وزيرا من اتجاهات مختلفة، كما أنه لا يوجد في عهد مرسي أكثر من خمسة محافظين من حزب الحرية والعدالة من أصل 27 محافظا وكذلك رؤساء الجامعات وأهم من ذلك لا وجود للإخوان المسلمين في سلك القضاء ولا في الحرس الجمهوري أو المخابرات العامة وكذلك أجهزة الأمن بدءا من وزير الداخلية وانتهاء بوزير الدفاع، فأين الأخونة يا شعب مصر العظيم؟.
(2)
مسرحية الانتخابات الرئاسية، كشفت المستور، فمقولة الثلاثين مليونا أو الخمسين مليونا الذين خرجوا تأييدا لدعوة الجنرال السيسي بتكليفه لتخليص البلاد والعباد من الإرهاب والإرهابيين “الإخوان المسلمين وحزبهم” في مطلع شهر يونيو العام الماضي تبخروا أمام لجان التصويت التي انتشرت في البلاد لانتخاب المشير السيسي ورأينا لجانا بلا ناخبين ورأينا على شاشات التلفزة المصرية بعض المشرفين على لجان الانتخاب يغطون في سبات عميق لأنه ليس هناك ناخب.
راح بعض المروجين يبرر عدم توجه الناس إلى صناديق الانتخاب بأن الدنيا حر، وأن الفلاحين منشغلون بزراعة موسم الصيف، أو صيام الناس بمناسبة الأسرى والمعراج تلك العوامل كما يزعمون حالت دون ذلك وفوق هذا وذاك مددوا فترة التصويت ساعات لتقترب من ساعات الليل ليبرد الجو، منحت الإدارة المصرية إجازة لكل مؤسسات الدولة وجعلت وسائل النقل العام مجانية للناخبين ولم تجذب تلك المغريات الشعب للتوجه لمقار لجان الانتخاب رغم التهديدات بالانتقام من الذين لا يشاركون في الانتخابات ورغم كل هذه التهديدات والإغراءات لم تجد نفعا فكان الإقبال في أدنى مستوياته.
(3)
المهم أن الرجل السيسي وصل إلى الحكم وأصبح الرئيس المنتخب “بالقوة” فماذا عساه أن يفعل في خلال سنة من فترة أدائه اليمين الدستورية أفضل مما فعل الرئيس السابق محمد مرسي الذي انقلب عليه وزير دفاعه وأودعه السجن بتهم لا تليق بمصر وحضارتها. وشتان بين انقلاب/ثورة عام 1952 وانقلاب/ ثورة 2013 الأول كان ثورة عسكرية إنسانية أزيح الملك عن عرشه وقدمت له التحية العسكرية، وأطلقت المدفعية 21 طلقة في وداع الملك ويهو يغادر إلى منفاه الذي اختاره، أما الانقلاب الأخير فكان انقلابا انتقاميا اجتث القيادة وأنصارها وأودعهم السجون وحكم على العديد منهم بالإعدام، في ثورة عام 52 لم يقتل في تلك الليلة أكثر من خمسة أفراد بينما قتل في ميادين مصر في عهد زعيم الانقلاب السيسي على أيدي الشرطة والجيش أكثر من خمسة آلاف إنسان.
أتوجه بسؤال إلى مهندسي “حركة تمرد وجبهة الإنقاذ الوطني” التي جيشت الشارع المصري للثورة ضد الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي وحشدت الملايين ألم تستطيع تحشيد تلك الجماهير للتصويت لصالح الجنرال السيسي أو حمدين صباحي؟
الرأي عندي أنهم حاولوا بكل الوسائل ترغيبا أو ترهيبا لحشد الملايين للإدلاء بأصواتهم، لكن انكشف الغطاء وبانت الحقيقة وكانت إرادة الشعب المصري أقوى وأشد تمسكا بحقهم في حرية اختيار الرئيس الذي يثقون به، وعلى ذلك استجاب غالبية الناخبين لدعوة المقاطعة رفضا للانقلاب العسكري وجوقة الانتهازيين.
آخر القول: أكذوبة ديمقراطية في مصر وسورية والعراق، وانتخابات مفصلة على يدي ترزيي الأجهزة الأمنية.
فهل يرتقي الجنرال السيسي إلى مرتبة الجنرال ديغول عندما فاز بالانتخابات الحرة والنزيهة في فرنسا ولكنه رفض تلك النتيجة لأنه لم يحصل على الأغلبية المطلقة.
أتوقع الإجابة من شباب مصر الذين فجروا الثورة في 25 يناير وأخرجوا من الساحة وفاز بها الجنرال السيسي.