عروبة الاخباري – خاص – سلطان الحطاب- اصبح جهاز الامن العام في بلدنا يعرب الجمل الامنية ، ولا يهرب منها ، ولم يعد لديه جملة امنية معترضة ، او ممنوعة من الصرف .. وقد لا نسمع كلاما كثيرا عن دور الجهاز وخلاصة اعماله فالمنتسبون اليه ليست هذه مهمتهم ولكننا نرى الافعال من خلال هذا المنسوب العالي من الاستقرار الذي ننعم به ، ونحس بالالم في ان اشقاءنا لا ينعمون به نتاج لظروف اقليمية صعبة لا تخفى على احد..
وجهاز الامن العام حين يرى من لا يقدر العمل ممن تاخذهم العزة بالاثم وادعاء المعرفة الى الجهل فانه يحتسب للوطن جهوده ويرى ان “الزبد يذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض” ..
لم اتمكن من حضور المؤتمر الصحفي الذي عقده قادة من جهاز الامن العام في رعاية مدير الامن العام الدكتور الفريق اول الركن توفيق الطوالبة لياخذ كل واحد منهم الحديث في مجاله وفي تخصصه ويضيء بلغة الارقام والعلم وباسلوب موضوعي ومختصر الحقائق الماثلة على الارض وحجم العمل الكبير الذي يبذل في ردّ التحديات الخطيرة التي مازالت تواجه الوطن كله ..
لا يدعي جهاز الامن العام انه يملك عصا سحرية ليمررها على المشاكل فيحلها ، ولكنه يملك ارادة صادقة ومنتسبين مؤمنين بعملهم ، وقيادة كفؤة اختبرت في اكثر من مهمة وموقع ومنعطف في ما يعلمه الناس من امور ظاهرة وفيما لا يعلمونه حين يكون الاطفال نيام والامهات قد فرغن من الدعاء لهم بالحفظ !!..
ما قراته من ارقام ذكرت في المؤتمر الصحفي امس الاول ، هو حصاد هائل ووفير ووخيم ولكن ذلك كله كانت تجري مواجهته ونفور الارقام هذه في مجال الجريمة والسرقات ومخالفة القانون والسير والمخدرات وتهريب الاسلحة وجرائم القتل وغيرها ليس لانها ازدادت فجاة ، ولكن هذا الفريق من قادة الامن وفي مقدمتهم مدير الامن العام اخذوا على عاتقهم ان يبيضوا وجه قائدهم الاعلى الملك عبدالله الثاني بن الحسين وان يجسدوا ارادته في عملهم وان يقولوا الحقائق وان يواجهوها ، وان ينهوا سنوات من التقية ووضع المشاكل تحت السجادة والتي لم تعد مستوية وانما اصبحت محدبة قبل ان ترفع ويصبح ما تحتها وما فوقها مكشوفا و برسم المعالجة والتعامل معه ولذا مضى وقت صعب منذ اكثر من عام كان على جهاز الامن العام ان يقدم الحقائق كما هي ليتحمل الكثيرون مسؤولياتهم دون ان يعفي طرف طرفا اخر ..
واذا كانت الارقام العالية في الجرائم التي ذكرها الضابط النابه مدير الامن الوقائي العميد زهدي جانبك والمقروءة من خلال القاء القبض على حوالي (50) الف مطلوب وضبط (9581) مركبة مسروقة من خلال اكثر من (11) الف حملة جرى انفاذها والتعامل مع دخول مليون و (60) الف سيارة دخلت البلاد وان السيارات في المملكة على العموم سجلت اكثر من (37) الف حادث منذ مطلع العام 2014 وان رقما خياليا من مادة الكوكائين قد كشفت وصودرت وقد بلغت (314) كغم وهو رقم مرعب وان هناك (319) قضية اتجار بالمخدرات وان جرائم الاحتيال المتزايدة نتاج ظروف ذاتية وموضوعية محلية واقليمية فان (97)% قد امسك بفاعليها او اكتشفت وان نسبة (87) % من اللصوص واعمال السرقة قد كشفت او ابطلت او حولت للقضاء واقل نسبة منها (72)% من سرقات المركبات ..
الارقام النافرة هذه تعامل معها جهاز الامن العام وسجل في التغلب عليها نسبا لم يسجلها حتى الامن الاميركي ولا النمساوي وهناك قضايا اخرى . واذا كان الامن العام في عمله لا يسال رد القضاء لانه واقع فانه يعمل على اللطف به لتبقى صورة الاردن على ما عرفناها ويبقى النمط السائد في العيش يتوفر له الامن والامان ..
ولعل عمليات الامن العام كما نعيشها ونراقيها ونقراها في تقارير المنصفين من المنظمات الدولية ابعد ما تكون عن انتهاكات حقوق الانسان . فهي تستند الى القوانين الناظمة لحقوق الانسان وتعمل في ظل القانون وكثيرا ما تتم العمليات الميدانية ” بمهارة تشبه مهارات الجراح اثناء العملية فهو يديرها بنجاح ليسلم المريض ويعافى ” ..
وحتى يبقى وجه الاردن ابيضا وراسه مرفوعة وترتيبه في سجل حقوق الانسان نظيفا ..
واذا كان ثمة تطور ادخلته ادارة جهاز الامن العام وبدأ فاعلا وملموسا فهو التنسيق والربط بين مختلف دوائر الامن العام وبايقاع واحد لتكون القيادة في الجهاز اشبه بالمايسترو الذي يوزع الايقاع ويضبطه وتكون اللوحة مقروءة وقابلة لاعادة القراءة .. وهذا التنسيق الجديد بين ادارات الامن العام تنسحب الان ليشمل هذا التنسيق مع الاجهزة الامنية الاخرى الفاعلة وعلى راسها القوات المسلحة الاردنية وجهاز المخابرات اعطى هذا التنسيق ثماره في اكثر من مهمة وعملية كان جهاز الامن العام فيها ذراعا فاعلا وسندا حقيقيا .. ومن منطلق اعادة التنظيم لمواجهة التحديات المتزايدة في مجتمع يزداد التعقيد الحضاري فيه ويطرح اشكالا مختلفة من التحديات الناشئة كتحدي الاحتيال الالكتروني ومشتقاته وتطور الجرائم المنظمة في بلدان العالم وما يصل منها لبلادنا وهذا ما اثبت جهاز الامن العام فيه قدرة متنامية نالت اعجاب دول لها باع طويل في هذا المجال وخاصة بعض الدول الغربية التي اطلعت على القدرات الاردنية والتي لم يبخل بها الاردن بل انه مكن بعض دول الجوار الشقيق من الاستفادة منها والتعامل المشترك من خلالها ..
واذا كان الملموس من عمل جهاز الامن العام مباشرة يتجلى ايضا في مخالفات السير فان مدير ادارة السير المركزية العميد داوود هاكوز اوضح ان هذه المخالفات لم تزد ولكن التعامل معها اختلف وكان التصميم الجديد في الادارة ان لا تكون هناك ” لحى ممشطة واخرى غير ممشطة ” وانما اللحى سواسية امام المشط ولذا جاء قرار منع شطب المخالفات ليرتفع رقمها وتظهر على حقيقتها فالمخالفة هي مخالفة ولابد من معالجة الاسباب والنتائج لنصل الى المستوى الذي يرضى ويليق بنا بعد ان عقد العزم على اعادة انتاج واقع جديد ..
لم تتوقف الحملات الامنية رغم الضغوط الاجتماعية التي كان بعضها نافذا ومؤثرا لدرجة ان هذه الحملات كانت متوقفة في السنوات السابقة وحين جاءت هذه الادارة لتتعاطى مع المطلوبين للقضاء والذين لا يحضرون الى المحكمة وهم بعشرات الالاف لاحظت يومها ان حركة السير قد خفت حين اطلق الباشا الطوالبة الحملات الاولى مع بداية توليه لمهماته .. وقد واجه ضغوطا شديدة لوقفها ولكنه استدرك على ذلك بالمصلحة الوطنية وبتحميل اطراف عديدة المسؤولية وكان يتمنى ان ينهض القضاء باسلوب يمنع اعادة وصول المطلوبين ومن عليهم مخالفات وجرائم الى مواقعهم التي القى القبض عليهم فيها ..
ولان من يقومون بالحصاد لتنظيف حقلنا من الاشواك ومن الهالوك الذي ياكل الزرع والضرع وهي مهمة صعبة مناطة برجال الامن العام ومتحققة بالحملات الامنية فانه ميز هذه الفئة العاملة بحوافز معنوية باعتبارهم ابناء مخلصين للوطن وبحوافز مادية على ما بذلوه وخاطروا من اجله وهذا الاسلوب جاء متناسقا ومتناغما مع مختلف الجهات الامنية والعسكرية الاخرى ..
اعجبني في المؤتمر الصحفي ان الباشا الطوالبة لم يكن مركزيا ولم يلبس كل الطواقي التي يلبسها المتخصصون من ضباطه فقد ترك لهم ان يتحدثوا ولم ينسب شيئا لنفسه كعادته ولذا مكنهم من النقاش الذي اعجب الكثيرين ولم يعجب القلة التي تتاثر بمعطيات مختلفة وتتعامل مع الحقائق بمزايدة او مناقصة او باستماع خارجي .
الامن كالخبز لا يجوز الاستهانة بتوفره او منسوب مخزونه ولابد من الاستثمار فيه لان الاستثمار فيه كالاستثمار في الصحة ويزيد وعندما يكون جهاز الامن العام عاكسا للواقع ومتعاملا معه بكفاءة ومنتميا اليه بصدق فان النتيجة هي احساس بالصحة كما المريض حين لا يشكو المرض ولكن السليم لا يتكلم عن الصحة ..
لم يكن سهلا على جهاز الامن العام في خضم فاعليات الربيع العربي وحصة الاردن منه في سنوات الحراك الماضية ان يتفرغ للتصدي للجريمة وابطالها وحصارها والتخفيف منها لانه لا جهازا امنيا على الارض قادر على ان يمنع الجريمة او يقطع كل جذورها ولكنه يبقيها في المستوى الذي يتحمله المجتمع ويستطيع التعايش معه ولذا فان نجاح مديرية الامن العام الان وخروجها للجمهور وحديثها عن دورها المتزايد مرجعه انها اعادت موضعة نفسها وانتشارها ووزعت مهامها وركزت على ادوارها التي كان جزء كبير منها قد استنزفه الربيع العربي والحراكات ..
ان تقديرنا لجهاز الامن العام ودوره وقدرة هذا الجهاز على ان يكون منضبطا بمعايير حقوق لانسان ومنفتحا على الشكاوى ومديرا لحوارات ومؤتمرات صحفية تتلى فيها الحقائق وتناقش كل ذلك يدعونا الى الاعتزاز به لانه يبادلنا العمل للمصلحة الوطنية التي تهم الجميع ..
مازال الطرق طويلا والمهمات صعبة ولكنني احسست بالراحة حين نطق احد قادة الامن العام وهو مدير الامن الوقائي العميد زهدي جانبك بعبارة ” لا تخافوا على الاردن ” فزرع الثقة والامل فهذه العبارة جاءت في سياق العمل وليس التمني وجاءت في سياق ” اعقل وتوكل ” فالعيون ساهرة والقلب مبصر والايمان عامر في قلوب المنتسبين ولدينا ما يكفي من العبرة والاعتبار في جوارنا لندرك كم توفر لنا ما كان جوارنا بحاجة اليه من جهاز امن قادر ان يمنع ارتفاع حرارة ماكينة بناء المجتمع ليكون الماء لهذه الماكينة او المروحة التي تمنع الحرارة او حتى احتكاك الحديد بالحديد .