عروبة الإخباري – استقبل جلالة الملك عبدالله الثاني، الثلاثاء، رؤساء الكنائس الأرثوذكسية العالمية وممثليها حول العالم، الذين يزورون المملكة للقيام بحج تاريخي إلى موقع عماد السيد المسيح، عليه السلام، في المغطس، والذي يأتي بعد أيام قليلة من الحج البابوي إلى الأراضي المقدسة انطلاقاً من الأردن، والذي اشتمل على حج قداسة البابا إلى عماد السيد المسيح في المغطس أيضا.
وأكد جلالته خلال اللقاء، الذي جرى في قصر الحسينية، بحضور سمو الأمير غازي بن محمد، كبير مستشاري جلالة الملك للشؤون الدينية والثقافية، المبعوث الشخصي لجلالته، حرص الأردن على الوجود المسيحي التاريخي في الأراضي الفلسطينية والشرق الأوسط، وخصوصاً في مدينة القدس.
وقال جلالة الملك “أود في البداية أن انتهز هذه الفرصة لأرحب بأخي البطريرك ثيوفيلوس الثالث، وبكل الأخوة هنا من مختلف الكنائس الأرثوذكسية، وأعتقد أن الأيام القليلة الماضية كانت تاريخية وستبقى في ذاكرتنا جميعا، خاصة بالنسبة لنا في الأردن”.
وأشار جلالته “لقاؤكم في موقع المعمودية من أجل السلام له أهميته التاريخية العظيمة لنا جميعا، فقد كانت الأيام القليلة الماضية بمثابة رسالة للتعايش والتسامح، وهذا ما كان يسعى إليه جلالة المغفور له الملك الحسين، وما أسعى إليه أنا شخصيا وما نسعى إليه جميعا، وهو أن نتحد معا جميعا كأخوة من أجل القدس وأن ندافع عن الأماكن المقدسة فيها، لذا يسرني أن التقي بكم اليوم”.
وأضاف جلالته “إن التحديات التي تواجهها مدينة القدس، وخصوصا من وجهة نظري، هي تحديات تخص جميع الكنائس، وواجبي يتمثل في العمل مع أخوتي هنا لتعزيز وجودكم ومجتمعاتكم ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل وفي الضفة الغربية والقدس بالتحديد”.
وأكد جلالته “بصفتي وصيا على الأماكن المقدسة في القدس، وكأخ لكم، لكم مني الدعم الكامل لكل الكنائس الأرثوذكسية وسأبذل كل ما في وسعي لأقف إلى جانبكم، وأخوتي الذين يعرفونني جيدا، ويعرفون مدى التزامي بذلك، وبهذه الروح أرحب بكم جميعا”.
وشدد جلالته، خلال اللقاء، على أن الأردن يشكل انموذجا متميزا للتآخي والعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين، لافتا في ذات الوقت إلى أهمية القدس ومكانتها كرمز للتعايش في المنطقة بين مختلف أتباع الديانات السماوية.
وأشار جلالته إلى أهمية دور رؤساء الكنائس الأرثوذكسية في السعي لنشر القيم المشتركة بين الأديان السماوية، إضافة إلى دور الكنيسة في نشر رسالة الوئام والمحبة والسلام لما فيه خير ومصلحة المجتمع الإنساني وتحقيق المزيد من التقارب بين مختلف الثقافات والشعوب.
واعتبر جلالته أن زيارة قداسة البابا فرنسيس إلى المملكة خطوة مهمة على طريق ترسيخ أواصر الإخاء والتسامح بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز رسالة السلام، التي تدعو لها جميع الأديان السماوية.
وأكد جلالته، على ضرورة البناء على نتائج الزيارة البابوية وزيارة رؤساء الكنائس الأرثوذكسية حول العالم، بما يرسخ الأمن والسلام والمحبة بين شعوب المنطقة، ويوفر أرضية عمل واحدة بين المسلمين والمسيحيين لبناء مستقبل مشترك على أسس الاحترام المتبادل والسلام والإخلاص لله.
من جهته، أعرب بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث، في كلمة له خلال اللقاء، عن شكر رؤساء الكنائس الأرثوذكسية لجلالة الملك على لقائه بهم، بما يعكس حرص جلالته على تعزيز الوئام والتآخي بين الأديان، ويجسد ما يتميز به الأردن من روح التفاهم والعيش المشترك والاحترام المتبادل بين المسلمين والمسيحيين.
وأضاف “نجتمع اليوم مع جلالتكم من مختلف الرتب الدينية في الكنائس الأرثوذكسية حول العالم، في هذه اللحظة التاريخية الهامة، لنؤدي الحج إلى هذه الأرض المقدسة في الأردن ونصلي للسلام والتسامح، لتنعم بها منطقتنا والعالم، من موقع عماد السيد المسيح في المملكة الأردنية الهاشمية”.
وأشار البطريرك ثيوفيلوس إلى أن لقاء اليوم دليل وتأكيد على العلاقة العميقة والتاريخية بين المسلمين والمسيحيين دينيا وثقافيا واجتماعيا، منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب والبطريرك صفرونيوس، والتي تعززت الآن بفضل جهود جلالة الملك في إطار ترسيخ التعايش والتآخي الإسلامي المسيحي، مبيناً “أنه لا يخفى على الجميع أن جلالتكم لستم وصياً على المقدسات الإسلامية فقط، بل وعلى المسيحية أيضاً”.
بدورهم، أكد رؤساء الكنائس الأرثوذكسية تقديرهم للجهود التي يبذلها جلالة الملك في نشر التآخي والتسامح والسلام، ورعايته لمبادرات مشتركة بين المسلمين والمسيحيين، لإزالة الفرقة وتعزيز أواصر التفاهم والمحبة بينهم.
وثمنوا دور الأردن ومواقفه الداعمة في حماية المقدرات والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، بما يعكس حرص المملكة على حماية الإرث الأرثوذكسي والوجود المسيحي العربي المتجذر في الأراضي المقدسة.
وأكدوا أن زيارتهم للمملكة تأتي تعبيراً صادقاً وتقديراً من أتباع الكنائس الأرثوذكسية لدور جلالته والأردن في ترسيخ وتعميق القيم الإنسانية، ومنها السلم والأمان واحترام حقوق الإنسان.
وعبروا في مداخلاتهم عن تقديرهم لمبادرات جلالة الملك الدينية، والتي تعزز الحوار والتواصل والتفاهم بين أتباع الديانات السماوية، خصوصا رسالة عمان وكلمة سواء، وجهود جلالته في عقد المؤتمرات الدينية الجامعة لاسيما المؤتمر الذي استضافته المملكة العام الماضي لبحث التحديات التي تواجه المسيحيين العرب.
وقدروا عاليا جهود الأردن بقيادة جلالة الملك في رعاية اللاجئين السوريين وتحمل تبعات استضافتهم بروح أخوية وإنسانية كبيرة، معربين عن دعم الكنائس الأرثوذكسية حول العالم للأردن بما يمكنه من الاستمرار في تقديم الخدمات للاجئين السوريين ورعايتهم.
وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الأردنية (بترا) أكد غبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث أهمية الدور الأردني في القدس، العاصمة الروحية للعالم ككل، حيث مكن هذا الدور البطريركية الأرثوذكسية من المحافظة على الدين والثقافة والوضع السياسي للمدينة المقدسة.
وأشاد البطريرك ثيوفيلوس بمبادرات جلالة الملك عبدالله الثاني في تعزيز التآخي والتسامح بين أتباع الديانات السماوية، لافتا إلى أهمية الرعاية الهاشمية التي يوليها جلالته للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والتي أكدتها الاتفاقية التي تم توقيعها مؤخرا بين جلالة الملك والرئيس الفلسطيني محمود عباس، بصفة جلالته الأمين وصاحب الوصاية على جميع المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
وقال “إن الكنيسة الأرثوذكسية في القدس التي تعد الكنيسة الأم، تحاول بكل جهدها المحافظة على الشخصية المسيحية والإسلامية للقدس”، مؤكدا دور هذه الكنائس التي تحظى بالدعم الكامل من جلالة الملك، في العمل بكل طاقاتها لمساعدة اللاجئين والمهجرين بدون أي تمييز.
بدوره، قال سيادة المطران مارك كولوفكوف، مطران روسيا الأكبر، إن اللقاء مع جلالة الملك وكذلك الحج إلى موقع معمودية السيد المسيح، يكتسب أهمية خاصة لأن الصلاة هناك تنطلق من أرض مقدسة شهدت انطلاق رسالة السيد المسيح ليشهد على السلام في العالم.
ودعا في مقابلة مماثلة الكنائس في العالم للمحافظة على السلام وللصلاة للسلام وللعمل من أجل السلام.
وأعرب سيادة المتروبوليت نيفون، بطريرك رومانيا، عن سروره بلقاء جلالة الملك صاحب رؤية ومبادرة الحوار بين الأديان، وقال:
“إن لقاءنا مع جلالة الملك مهم ويبعث برسائل متفائلة للعالم”.
وأضاف إنه في عالم تسوده المشكلات والصراعات توفرت لدينا فرصة في الأردن للصلاة بعقول وقلوب مفتوحة، لأجل السلام، حيث سنزور موقع معمودية السيد المسيح اليوم لهذه الغاية في موقع المغطس في المملكة الأردنية الهاشمية.
وقال سيادة المتروبوليت فيليكو تورنوفو جرجوريوس، بطريرك بلغاريا، “سنصلي مساء اليوم في موقع معمودية السيد المسيح، أقدس الأماكن وأهمها بالنسبة للديانة المسيحية، لأجل السلام الذي منحه الله للناس جميعا”.
وأضاف أنه إذا ما أصغى العالم لنداء السلام فإننا سنحقق أهداف الإيمان “لأن الإيمان بلا أعمال بلا معنى، ونحن نؤكد إيماننا بالسلام من هذا المكان المقدس”.
يشار إلى أن رؤساء الكنائس الأرثوذكسية في العالم وعددا كبيرا من أتباعها سيلتقون مساء اليوم الثلاثاء بمنطقة المغطس للحج إلى موقع عماد السيد المسيح، والتباحث في الشأن الأرثوذكسي العام، خاصة سبل دعم بطريركية القدس، في الوقت الذي يزداد فيه استهداف الكنائس والتأثير على الوجود المسيحي في الأراضي المقدسة.
وضم الوفد الكنسي الذي التقى بجلالة الملك، ممثلين عن الكنائس الأرثوذكسية في روسيا، وجورجيا، وبلغاريا، وصربيا، ورومانيا، وقبرص، وفنلندا، بالإضافة إلى بطريركية القدس، صاحبة الدعوة للحج إلى موقع عماد السيد المسيح عليه السلام