اعتبار بهجت سليمان شخصا غير مرغوب به شعبياً، خطوة سبقت القرار الرسمي الذي صدر أمس بالاتجاه ذاته. فسليمان في انتقاده للأردن، مؤسسات وأفراداً، ابتعد كثيراً عن الأعراف الدبلوماسية، بل تخطى حتى الحدود الأخلاقية في هذا الجانب.
وللأمانة، أظن أن الحكومة تأنت كثيراً في موقفها من سليمان، لكنها حسمت أمرها حين أعطته مهلة 24 ساعة لمغادرة البلاد، بما يمثل رسالة للنظام السوري بضرورة عدم التطاول على الأردن.
نهج سليمان منذ اندلاع الأزمة في سورية كان يغضب كثيرين، على رأسهم مؤسسات رسمية طالما رأت في نشاطاته تطاولا غير مقبول. فالمشكلة مع سليمان أنه تخطى كل الحدود المقبولة، وقفز عن كل الأعراف التي تنظّم العمل الدبلوماسي، موجهاً نقده للنواب والوزراء والمؤسسات الرسمية، غالبا عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.
العلاقة بين السفير غير المرغوب به ووزارة الخارجية، ولاسيما وزير الخارجية ناصر جودة، لم تكن أبدا على ما يرام. تماماً كما أن الوضع مع جميع الجهات ذات العلاقة لم يكن على ما يرام أيضاً. وأظن أنّ مُصْدِر القرار صبر كثيراً قبل إعلانه طرد سليمان.
السفير السوري حضر الاحتفالات الرسمية بعيد الاستقلال، وزيارة بابا الفاتيكان. إذ رصدت كاميرا الزميل محمد أبوغوش صورا لسليمان خلال حفل استقبال البابا، فيما كان يقرأ تقارير تتحدث عن مخاوف أردنية إسرائيلية من سيطرة الجماعات المتطرفة على الوضع في سورية، ما دفع إلى اتخاذ إجراءات احترازية من قبل الجانبين.
هذا يعني أن تطورا دراماتيكيا حصل بشكل مفاجئ، دفع إلى اتخاذ القرار وإعلانه. فمسلكيات سليمان على مدى أشهر ظلت مستفِزة، ولطالما طالب سياسيون ونواب وقانونيون باتخاذ هذه الخطوة، إنما من دون أدنى استجابة رسمية، اللهم إلا استدعاء سليمان والطلب إليه عدم تكرار التجاوزات. فما الذي حدث في اللحظة الأخيرة؟
القرار وإن كان مفاجئا، إلا أن توقيته قد يرتبط بالتصعيد السوري في الداخل ضد الأردن، لناحية اتهام المملكة بتقديم خطاب مزدوج بشأن الأزمة السورية. علماً أن الأردن سعى إلى الحفاظ على شعرة معاوية مع دمشق، لأسباب ترتبط بحساسية موقف الأردن وقربه الجغرافي. لكن آلة الإعلام السوري مارست نقدا لاذعا للمملكة، باتهامها بتسهيل عمل الجماعات المناوئة لنظام بشار الأسد.
مغادرة سليمان لا تعني إغلاق السفارة؛ فثمة مصالح مشتركة بين البلدين. وهناك 1.3 مليون سوري يقيمون على الأرض الأردنية، يحتاجون خدمات وإنجاز معاملات لتسهيل حياتهم. وهو ما يعني بالضرورة تعيين سفير جديد في المستقبل.
هناك من عاود طرح فكرة فتح مكتب للائتلاف السوري بديلا للسفارة، لخدمة السوريين. لكن الأمر يبدو مستبعدا في المرحلة الحالية. فالأعباء التي تقع على الأردن، وحجم التشابك مع الدولة السورية، لا يقارنان مع حالة دول أخرى طبّقت هذا المبدأ اعترافا منها بشرعية المعارضة.
المسألة الأخرى التي تبدو معلّقة، مرتبطة بالسماح للسوريين المتواجدين في الأردن بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية لبلادهم. وهي مسألة لم تحسم بعد، إلا أن المعلومات الأولية تشير إلى السماح للسوريين من غير اللاجئين بالمشاركة في العملية الانتخابية.
قراءة أولية لخطوة طرد السفير والسماح بالمشاركة في الانتخابات، تسمح بتفسيرهما على أساس أن القرار ضد السفير مرتبط بسلوكه الشخصي، فيما مَنْع السوريين من التصويت خطوة ضد النظام السوري نفسه، وهو لا يريده الأردن في هذا الوقت. فالأردن حتى اللحظة غير مندفع في سياساته المتعلقة بالنظام، مقارنة بدول عربية أخرى تتدخل صراحة ومن دون مواربة في الشأن السوري. الأمر الذي يعني أن الأردن لم يكن ليقْدِم على هذه الخطوة لو التزم سليمان بالأعراف الدبلوماسية.
حتى بعيدا عن الموقف الأخلاقي من جرائم النظام السوري الذي فتك بشعبه وقتل منه نحو 200 ألف نسمة، وحوّل ثورته الشعبية إلى معركة أممية، وجعل الخوف من التخلص منه أعلى من كلفة بقائه؛ فقد كان لزاما اتخاذ القرار بحق سليمان منذ زمن، احتراما للأردن قبل أي شيء آخر.