وصل تقرير منظمة الأغذية والزراعة الدولية “الفاو” عن انعكاسات الازمة السورية على الاقتصاد اللبناني الى بيروت في اسوأ الاوقات، إذ ليس هناك الآن من يلتفت الى هذا الموضوع الخطير، لأن الجميع غارقون في مشكلة الاستحقاق الرئاسي الذي يدخل الى الفراغ، بما يعني ان التقرير المذكور سيذهب به النسيان ولن يجد من يكلّف نفسه في هذه الدولة البائسة عناء قراءته فحسب !
عملياً، هذا ليس تقريراً بمقدار ما هو إنذار هدفه لفت الدولة اللبنانية الى انها تنام على قنبلة مخيفة قد تدمر البلاد ان لم تجد الحلول الاستباقية لمشكلة اللاجئين السوريين، الذين يتدفقون على لبنان بكثافة لم يشهد تاريخ الازمات لها مثيلاً، والمعروف انه قبل الحديث عن عائلة تدخل الينا كل دقيقة، كان عدد اللاجئين قد تجاوز مليوناً ونصف مليون وفق قيود الامم المتحدة، فاذا أضفنا مثل هذا العدد تقريباً من الذين دخلوا ولم يتم ادراجهم على القيود، يصبح في الإمكان القول ان العدد الإجمالي بات يساوي ٤٠٪ من عدد اللبنانيين تقريباً!
لذا لم يعد يجوز الحديث عن مشكلة بل عن كارثة، او عن قنبلة ضخمة تستطيع ان تطيح البلد، وليس هناك من يتنبّه الى ضرورة معالجتها باشراك الدول الاخرى في تحمل أوزارها المدمرة، والدليل انه عندما عقد المؤتمر الأول للدول الداعمة في الكويت، فوجئنا بأن ارقام الامم المتحدة عن أعداد اللاجئين تكاد تساوي ضعفي الارقام التي تحدثت عنها الدولة اللبنانية، ومنذ ذلك الحين حتى الآن ازداد تدفق التسونامي،الذي لا تستطيع اي دولة في العالم ان تتحمل وزره، فلكأن ١٥٠ مليون مكسيكي دخلوا فجأة الى اميركا او ١٠٠ مليون صيني لجأوا الى روسيا !
التقرير ركّز على الناحية الاقتصادية فقط، اي انخفاض نمو الناتج المحلي بنسبة ٢,٩ ٪ كل سنة ودفع ١٧٠ الف لبناني الى براثن الفقر، إضافة الى مليون يعيشون تحت خط الفقر، وارتفاع البطالة بسبب المنافسة غير المشروعة بنسبة ٢٠٪ وزيادة النفقات بما قيمته ٢,٦ ملياري دولار، لكن الخطورة لا تقتصر على الناحية الاقتصادية فحسب، بل على التوازن الديموغرافي على المدى البعيد، باعتبار ان عدداً كبيراً من اللاجئين لن يعود غداً الى سوريا حتى لو توقفت الحرب، كالذين دمرت منازلهم او الذين تدبروا عملاً لهم في لبنان ليس متوافراً في بلدهم !
عام ١٩٥٤ كان عدد اللبنانيين مليوناً وكان عدد اللاجئين الفلسطينيين ١٠٠ الف، ويكفي ان نقيم مقارنة بين الحالين مع الأخذ في الاعتبار الوضع الأمني، الذي سيسوء تدريجاً نتيجة ما ستتركه معاناة اللجوء في غياب دولة قادرة فعلاً على وقف تسونامي مدمر، في حين انها لا تملك وقتاً لقراءة التقرير فكيف بتفكيك القنبلة الموقوتة ؟
rajeh.khoury@annahar.com.lb