عروبة الإخباري – يحتفل الأردنيون اليوم، الخامس والعشرين من أيار (مايو) بالعيد الثامن والستين لاستقلال المملكة، هذا اليوم الوطني الأغر الذي نفخر به جميعا، ونستذكر فيه أسمى معاني التضحية والوفاء والانتماء لوطننا الغالي.
وبهذه المناسبة، يرعى جلالة الملك عبدالله الثاني في قصر رغدان العامر، الحفل الوطني، بمناسبة عيد استقلال المملكة، الثامن والستين، وذلك بحضور جلالة الملكة رانيا العبدالله وولي العهد سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني.
ويعتز الاردنيون وهم يرون وطنهم الذي عاش ونما عبر اربعة عهود ملكية هاشمية بان يحتل بلدهم العظيم والكبير بحجم المسؤوليات التي تحمّلها باقتدار ، المكانة اللائقة به على المستويين الاقليمي والعالمي ، ليبقى على الدوام نموذجا للعطاء والخير وتعاضد ابناء شعبه والتفافهم حول قيادتهم الهاشمية الحكيمة .
وتزخر الذاكرة الاردنية بمحطات تاريخية تتحدث عن مسيرة البناء والانجاز بقيادة ملوك بني هاشم منذ عهد المغفور له جلالة الملك المؤسس عبدالله بن الحسين مرورا بعهد المغفور له جلالة الملك طلال صانع الدستور والمغفور له جلالة الملك الحسين باني الاردن وصولا الى عهد جلالة الملك المعزز عبدالله الثاني .
وتعود ذاكرة الوطن التاريخية الى اول خطاب هاشمي فوق ارض الاردن في الثالث من آذار العام 1921 حين خاطب سمو الامير عبدالله بن الحسين انذاك الجموع على الاراضي الاردنية قائلا “سروركم بنا وترحيبكم لنا واجماعكم علينا امر لا يستغرب، انتم لنا ونحن لكم وانني لم اغفل كلمة مما جاء به خطباؤكم، ووطنيتكم امر لا يخفى على الكون كله وضالتكم المنشودة عبارة عن حقكم الذي تطلبونه” ، وقال ايضا “ولو كان لي سبعون نفسا لبذلتها في سبيل الامة ولما عددت نفسي اني فعلت شيئا”.
لقد احاطت الدولة الاردنية منذ التأسيس صراعات وظروف صعبة، الا ان الاسس والمرتكزات والثوابت التي سار عليها ملوك بني هاشم وتمسكهم بقسمهم معاهدين الوطن اخلاصا والدستور حفاظا عليه والتقدم نحو الانجاز ، كل ذلك حافظ على منجزات الامة وجعلها تقف صامدة امام الاطماع والتحديات ونتائج وتبعات حروب الموارد (المياه والطاقة والنفط) التي تسببت في تغيير خارطة العالم السياسية والجغرافية.
ويقف الاردن على اطول حدود مع اسرائيل من جهة الغرب وواجه تداعيات الحرب على العراق وتبعات الازمة السورية، واستطاع وبفضل قيادته الحكيمة وكفاءة قواته المسلحة وحس المواطن الاردني ان يتجاوز الصعوبات وان يوظف الاستقرار الامني الذي ننعم به لتحقيق مصلحة الاردن في كل المجالات .
وكانت القضية الفلسطينية هاجس الملك المؤسس كما كانت هاجس الحسين – طيب الله ثراهما – وما زالت هذه القضية محور الاهتمام الاساس لجلالة الملك عبدالله الثاني الذي يعتبرها محور الصراع في الشرق الاوسط وعنوان السلام في دول المنطقة بل ودول العالم ، فقد وقف الاردنيون مع اشقائهم الفلسطينيين في ظروفهم الصعبة التي مروا بها وكانوا الاخوة والسند لهم على مر السنين .
المحطة المهمة في تاريخ الاردن بعد الاستقلال عام 1946 كانت تعريب قيادة الجيش العربي عام 1956 ثم الغاء المعاهدة الاردنية البريطانية عام 1957 فكانت مرحلة مفصلية وتاريخية حاسمة ونقطة تحول في تاريخ بناء الدولة الاردنية حيث تمكن الحسين وفي اقصر وقت ممكن من احلال قيادات اردنية مؤهلة ووطنية محل القيادات الاجنبية، ولم يخلُ هذا القرار من المخاطر الا ان الحسين اتخذه بشجاعة لافتة لانه كان يستمد القوة والعزم والتصميم من شعبه الوفي الذي التف حوله وقال له “اردنيون منذ الازل هاشميون الى الابد”.
وتأتي الشهادات التي تؤكد على تطور وكفاءة القوات المسلحة الاردنية ، تقييم الامم المتحدة لمشاركة القوات المسلحة الاردنية في قوات حفظ السلام الدولية، وطلب الامم المتحدة من الاردن المشاركة في هذه القوات لا ينقطع ابدا وهذا يدل على الحرفية والمهنية العالية التي يتميز بها جنودنا وضباطنا البواسل.
وضع الاردنيون قواعد دولتهم التي اكدت على عروبة الأردن والاسلام كدين وعقيدة وحضارة وبقي تأكيدهم منذ البداية بان يكون للأردن حكم نيابي ملكي دستوري، فكانت ظاهرة لافتة للنظر ومبكرة بان بقي منطلق الاردن في المنطقة هو الحكم الدستوري .
وبقيت القيادة الهاشمية وعبر العقود الماضية على تواصل دائم ومستمر مع الشعب وهي دوما منفتحة على حاجات الناس واستيعاب القادم من الزمن ومحاولة تقديم رؤيتها على شكل برامج تنفيذية للناس وتتمتع ببعد النظر وكان من نتائج ذلك انها كانت مواكبة للتحولات في الافق الدولي.
وفي رحلة الاستقلال التي توجت قبل ثمانية وستين عاما حيث ازدانت شوارع عمان بالاعلام الاردنية والعربية وردد الاردنيون اهازيج وطنية نسجوا كلماتها تيمنا بالخير وابتهاجا بالحدث المهيب، وها هي امانيهم وآمالهم تتحقق وها هم يرون وطنهم يبنى وتعتلي راياته بسواعد اردنية خالصة.
القرار التاريخي المرصع بالتاج الهاشمي والموشح بالتوقيع الملكي السامي، خطت كلماته بعناية، ففيه أراد الاردنيون ان يكون اعلان استقلال بلادهم محققا للاماني القومية وعاملا بالرغبة العامة التي اعربت عنها المجالس البلدية الاردنية في قراراتها المبلغة الى المجلس التشريعي واستناداً الى حقوق البلاد الشرعية والطبيعية وجهادها المديد وما حصلت عليه من وعود وعهود دولية رسمية .
وفي نص القرار التاريخي جاء :
“وبناء على ما اقترحه مجلس الوزراء في مذكرته رقم 521 بتاريخ 13 جمادى الاخرة 1365هـ الموافق 15 ـ 5 ـ 1946 م فقد بحث المجلس التشريعي النائب عن الشعب الاردني امر اعلان استقلال البلاد الاردنية استقلالاً تاماً على اساس النظام الملكي النيابي، مع البيعة بالملك لسيد البلاد ومؤسس كيانها (عبدالله بن الحسين المعظم)، كما بحث امر تعديل القانون الاساسي الاردني على هذا الاساس بمقتضى اختصاصه الدستوري، ولدى المداولة والمذاكرة تقرر بالاجماع اعلان البلاد الاردنية دولة مستقلة استقلالاً تاماً وذات حكومة ملكية وراثية نيابية والبيعة بالمُلك لسيد البلاد ومؤسس كيانها وريث النهضة العربية عبدالله بن الحسين المعظم بوصفه ملكاً دستورياً على رأس الدولة الاردنية بلقب حضرة صاحب الجلالة عبد الله بن الحسين ملك المملكة الاردنية الهاشمية”.
بقيت هذه اللحظات عالقة في ذاكرة التاريح محطات عز وفخار لن تمحو الايام عطرها وستبقى في الوجدان انشودة وطن يتغنى بها كل المخلصين من ابنائه، وفي الساعة الثامنة من صباح 25 ايار 1946 اتجهت عشرات السيارات الى دار البرلمان التي كانت غاصة ليس بالنواب فحسب، لكن بكبار الوفود والمراسلين الاجانب والمصورين، وحمل رئيس الوزراء انذاك ابراهيم هاشم قرار البيعة في صندوق مرصع بالتاج الذهبي، وكتب بخط جميل ضمن اطار مزخرف وشحه المغفور له الملك المؤسس بتوقيعه السامي.
وفي تفاصيل ذلك اليوم عاد رئيس الوزراء آنذاك الى البرلمان حيث ينتظر النواب وجمهور حاشد ليتلى القرار وتطلق المدفعية مئة طلقة وطلقة وتعلو الهتافات في وقفة تاريخية مجيدة.
وفي قصر رغدان العامر حيث اعدت قاعة العرش لاستقبال الوفود العربية والاجنبية والمهنئين من ابناء الاردن القى الملك المؤسس كلمة قال فيها “ابدأ بحمد الله على نعمائه واصلي واسلم على سيدنا محمد نبي الرحمة وعلى اخوانه من الانبياء والمرسلين جميعا صلاة دائمة طيبة مباركة ، ثم اشكر شعبي العزيز وحكومتي المؤتمنة لما بايعا به وما حقق بما ايدنا ووفقنا من امل البلاد واماني الثورة العربية التحريرية وذلك باعلان بلادنا الاردنية دولة مستقلة استقلالا تاما تعتز بأن تظل الوفية لميثاق الوحدة القومية والمثل العربية وانه لمن نعم الله ان يدرك الشعب بان التاج معقد رجائه ورمز كيانه ومظهر ضميره ووحدة شعوره ، بل انه لامر الله ووصية رسله الكرام ان يطالع الملك الشعب بالعدل وخشية الله لان العدل اساس الملك ورأس الحكمة مخافة الله”.
لقد حمل جلالة الملك عبدالله المؤسس طيب الله ثراه راية الثورة العربية الكبرى التي ارتفعت في العاشر من حزيران عام 1916 بقيادة المغفور له الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه لترتفع عاليا في سماء المجد في معان المحطة الاولى لوصول الامير عبدالله في الحادي والعشرين من تشرين الاول عام 1920 حين بايع الاحرار العرب سموه وعاهدوه على العمل من اجل الاستقلال وبقاء راية الثورة العربية خفاقة عالية كما هي مبادؤها واهدافها.
في الثاني من اذار عام 1921 بدأت مرحلة مهمة من تاريخ الاردن بوصول الامير عبد الله الى عمان ، وفي نيسان تشكلت اول حكومة في شرق الاردن سمي رئيسها الكاتب الاداري وهو يرأس مجلس المشاورين المؤلف من :
رشيد طليع رئيسا ، ونائب العشائر الامير شاكر بن زيد ، وقاضي القضاة محمد خضر الشنقيطي ، ومشاور العدلية والصحة والمعارف مظهر رسلان ، ومشاور الامن والانضباط علي خلقي ، ومشاور المالية حسن الحكيم ،ومعاون نائب العشائر احمد مريود .
في 25 ايار 1923 اعلن استقلال شرق الاردن في حفلة رسمية ، ووقع الاردن على اتفاقية مع بريطانيا في العشرين من شباط 1928 مثلت الاعتراف الكامل بالدولة الاردنية وتغيير اسمها من حكومة الشرق العربي الى امارة شرق الاردن .
وفي شهر كانون الاول من عام 1939 انشئت قنصليتان للبلاد الاردنية في مصر والعراق وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية انضمت الامارة الى بريطانيا ولعب الجيش العربي الاردني دورا مهما ولا سيما في تحرير دمشق.
والاردن من اعضاء مجلس دول الجامعة العربية وقع على ميثاقها في 22 آذار 1945.
وفي الثاني والعشرين من آذار عام 1946 الغيت المعاهدة الاولى المبرمة في عام 1928 ووقع الاردن مع بريطانيا معاهدة نصت على الاعتراف بالاردن دولة مستقلة ذات سيادة والامير عبدالله ملكا عليها.
ويزخر تاريخ الدولة الاردنية منذ ان كانت امارة، ومن ثم مملكة اردنية هاشمية، بخطابات ورسائل وتوجيهات ملكية تؤكد حق الحرية والديمقراطية والشورى بين ابناء الوطن وصولا الى تحقيق الاهداف والغايات الوطنية العليا.
ولاستكمال مسيرة الشورى والديمقراطية التي عرفتها الدولة الاردنية منذ ان تنسمت الحرية والوجود، جرت في العشرين من تشرين الاول عام 1947 اي بعيد الاستقلال، اول انتخابات برلمانية في عهد المملكة حيث تشكل مجلس النواب الاول من عشرين نائبا.
في حرب النكبة عام 1948 دافع الاردنيون عن القدس والاراضي الفلسطينية، وحددت مهام الجيش الأردني بالزحف نحو رام الله والقدس، فدافع الجيش العربي المصطفوي ببسالة وبقيادة الملك المؤسس الذي قال في اليوم التالي للنكبة بعد ان عقد مجلس الوزراء جلسة بالديوان الملكي “اريد منكم تأليف مجلس وصاية على العرش لانني اريد ان اتولى بنفسي قيادة القوات في القدس، انني لا اطيق البقاء على قيد الحياة اذا سقطت القدس وانا اتفرج “.
وابدى أهالي فلسطين رغبتهم بالانضمام إلى المملكة بهدف تقوية جبهتهم الداخلية لوجود كيان سياسي معترف به يدافع عن حقوقهم ، وتم عقد مؤتمر في أريحا ضم زعماء القدس ، الخليل ، بيت لحم ، رام الله ، والوجهاء وتمت المناداة بالوحدة الأردنية -الفلسطينية ، ومبايعة الملك عبد الله ملكاً على فلسطين والأردن ، وعقد مؤتمر آخر في نابلس والمناطق التابعة لها في 28 كانون الاول 1948 واتخذ نفس القرار بمبايعة الملك عبد الله ملكاً دستورياً على فلسطين والأردن.
في الرابع والعشرين من نيسان عام 1950 اعلن مجلس الامة وحدة الضفتين ، وفي اول خطاب للملك المؤسس تلي في مجلس الامة وقد جمع ضفتي الاردن ، قال طيب الله ثراه ” على ان ابرام امر الوحدة وقد تم فعلا باجماع هذا المجلس الموقر الممثل للضفتين مع عدم المساس بالتسوية النهائية التي تحق حق العرب في امر فلسطين سيعزز في الواقع دفاع الامة الواحدة عن عدالة قضيتها “.
في نيسان عام 1950 تشكلت أول حكومة أردنية برئاسة سعيد المفتي بعد وحدة الضفتين الغربية والشرقية، وتكونت من 11 وزيرا ً.
وعلى عتبات المسجد الاقصى كانت ارادة الله عز وجل ان تفيض روح البطل الشهيد الملك المؤسس الى بارئها في العشرين من تموز عام 1951 بعد ان تعرض لعملية اغتيال وبرفقته سمو الامير الحسين آنذاك الذي لم يفارق مشهد وداع جده مخيلته يوما ، وفي وجدانه وضميره حماية القدس ورعايتها .
وفي السادس من أيلول عام 1951 اعتلى المغفور له باذن الله جلالة الملك طلال طيب الله ثراه العرش لتبدأ مرحلة جديدة في مسيرة الدولة الاردنية ارسى دعائمها دستور متطور صدر في الثامن من كانون الثاني عام 1952 الذي كفل للشعب الأردني حقوقه .
في عهد الملك طلال تشكلت حكومة جديدة برئاسة توفيق أبو الهدى وأجريت الانتخابات النيابية في العام ذاته ، وكان لعهد جلالته رغم قصر مدته تأثير كبير على الحياة السياسية في المملكة إلى يومنا هذا ولعبت الأحزاب دوراً كبيراً ومهماً في تلك الفترة سواء في مجلس النواب أو على الساحة السياسية.
الدستور الذي اعتبر من احدث الدساتير في العالم وأكثرها ديمقراطية وشورى وانفتاحا تضمن عناوين مهمة في دعم المضامين الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك حق كل مواطن في العمل والتعليم والرفاه الاجتماعي كما انه جعل الحكومة مسؤولة امام مجلس النواب الذي اصبح يملك سلطة منح الثقة او حجبها عن اية حكومة بموجب احكام المادة 54 منه، الامر الذي رفع من مستوى الحياة البرلمانية الى المرتبة التي تليق بها اسوة بالدول الديمقراطية الاخرى اضافة الى شموله بنودا تضمن حقوق المواطن وحرياته الاساسية وحماية العمال وشروط عملهم وفق دساتير العالم المتطورة.
وجلالة المغفور له الذي وقف مجاهدا في صفوف المقاتلين من الجيش العربي دفاعا عن فلسطين بذل جهودا متميزة لتوثيق عرى التعاون والتنسيق لما فيه مصلحة الامة والوطن العربي الكبير الذي كان خرج لتوه من نكبة فلسطين عام 1948.
وفي عهد جلالته اتخذ الأردن قرارا يقضي بجعل التعليم الزاميا ومجانيا حيث يعتبر هذا القرار الأول من نوعه على مستوى الوطن العربي وكان له الاثر الكبير في النهضة التعليمية التي شهدتها البلاد فيما بعد ، وصدر في عهد جلالته قانون خط السكة الحديدية في شهر آذار عام 1952 الذي ينص على اعتبار هذا الخط وقفا اسلاميا، كما انشىء ديوان المحاسبة .
والمغفور له جلالة الملك طلال رحمه الله كان محبا للحياة العسكرية متأثرا بالروح العسكرية لوالده الذي كان احد قادة ثورة العرب الاحرار حيث كان جلالته أول ضابط أردني يتخرج من كلية ساند هيرست العسكرية في بريطانيا وبعد تخرجه منها عام 1929 رافق جده الحسين بن علي الذي كان منفيا في قبرص بعد ان تصدى للمشروعات الاستعمارية التي استهدفت تقسيم البلاد العربية.
ولم يتريث المرض باعطاء الفرصة الكافية للملك طلال رحمه الله ، وبعد احد عشر شهرا وخمسة ايام من اعتلاء جلالته العرش نقل لتلقي العلاج الى ان اختاره المولى عز وجل الى جواره في السابع من تموز عام 1972 بعد ان سجل انجازات نوعية في تاريخ الحياة الاردنية السياسية والاجتماعية والتعليمية.
“ان حياتي ملك لشعبي” عبارة استقرت في ذهن المغفور له جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه منذ تموز عام 1951 حين قالها جده المغفور له الملك المؤسس وهو في طريقه الى القدس قبيل استشهاده ، وبعد مضي عام، اعتلى الحسين العرش ولم يتم الثامنة عشرة من عمره ليكون منذ ذلك الوقت ملكا لا يخشى الا الله تعالى في كل قراراته الشجاعة.
في الثاني من ايار عام 1953 تسلم المغفور له الحسين سلطاته الدستورية بعد ان اتم الثامنة عشرة من عمره، ولم تكن تلك الايام سهلة على الملك الشاب ليجد امامه مسؤولية قيادة مملكة وسط انقسام عربي وحالة من الفوضى وعدم وضوح الرؤية بعد حرب عام 1948.
بقيت القضية الفلسطينية والقدس هاجس الحسين الاول وظل يقول على الدوام “من القدس يبدأ السلام وفيها ينتهي”.
شهد عهد المغفور له الحسين طيب الله ثراه أهم الأحداث السياسية والعسكرية على الساحتين المحلية والعربية، وعلى الرغم من كل التحديات والصعوبات استطاع الاردن الذي لم تكن موازنته عام 1955 تتجاوز الثلاثة ملايين دينار ان يحقق نمواً اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعمرانيا وعلميا .
في تلك الفترة كانت تعصف بالمنطقة العربية أحداث جسام استطاع الأردن التكيف معها وتجاوزها بسلام، ففي عام 1956 وقف إلى جانب أشقائه في مصر لصد العدوان الثلاثي وأبدى استعداده للدفاع الميداني وبالسبل كافة عن الشقيقة مصر.
وفي العام ذاته أصدر جلالة الملك الحسين قراره الشجاع بتعريب قيادة الجيش الأردني حيث تم الاستغناء عن خدمات كلوب وتسليم القيادة إلى ضباط أردنيين، وكان لهذا القرار صدى إيجابي في الوطن العربي وأثر في مسيرتهم نحو التحرر والاستقلال.
وفي حرب حزيران عام 1967 قاتل الجيش الاردني المصطفوي ببسالة في محاولة لصد العدوان الاسرائيلي على اراضي الضفة الغربية ولم يكن بمقدوره المقاومة وحده تقريبا في الجبهة الشرقية فسقطت القدس ثم اريحا والخليل ونابلس ووقعت الضفة الغربية باسرها في قبضة الاسرائيليين.
خسر الوطن العربي في حرب حزيران جزءا غاليا عزيزا واستطاع الاردن استخلاص العبر والدروس من تلك الحرب ليكون في مواجهة اخرى مع العدو الاسرائيلي في 21 آذار عام 1968 في اراضي الشونة والكرامة على الضفة الشرقية لنهر الاردن وكان الرد الاردني حاسما نجمت عنه خسائر فادحة مني بها المعتدون على الرغم من تفوقهم في العدد والطائرات.
نتيجة لحرب عام 1967 تعطلت الحياة البرلمانية في الاردن وتم إعلان حالة الطـــوارئ بهدف توفير أجواء الاستقرار ليتم العودة فيما بعد للحياة الديمقراطية التي كانت سائدة سابقاً.