عروبة الإخباري – -استقبل جلالة الملك عبدالله الثاني، وجلالة الملكة رانيا العبدالله، وسمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، ضيف الأردن الكبير قداسة البابا فرنسيس، في قصر الحسينية، اليوم السبت، والذي وصل إلى المملكة في زيارة حج بابوية تستمر يومين.
كما كان في الاستقبال أصحاب السمو الأمير هاشم بن عبد الله والأميرة ايمان بنت عبد الله والأميرة سلمى بنت عبدالله.
وجرت مراسم استقبال رسمية حافلة لقداسة البابا، حيث حيت جلالة الملك وقداسته ثلة من حرس الشرف، فيما عزفت الموسيقى السلامين الوطني للفاتيكان والملكي الأردني، وأطلقت المدفعية إحدى وعشرين طلقة تحية لضيف الأردن الكبير.
ورحب جلالة الملك، خلال لقاء حضرته جلالة الملكة رانيا العبدالله، وسمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، بقداسة البابا في حجه للأراضي المقدسة، منوها بأهمية رسالة المحبة والمودة والوئام والتعايش والسلام والأخوة التي يحملها قداسته للمنطقة بأسرها.
وشدد جلالته، خلال اللقاء، على أهمية الزيارة البابوية التي تأتي كخطوة مهمة على طريق ترسيخ أواصر الإخاء والتسامح بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز رسالة السلام، التي تدعو لها جميع الأديان السماوية.
وبحث جلالته وقداسة البابا العلاقات بين الأردن والفاتيكان وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، مؤكدا ضرورة العمل على تعميق وإدامة التواصل بين العالمين الإسلامي والمسيحي من خلال استمرار الحوار والتعايش وتعظيم القواسم والقيم المشتركة.
وتبادل جلالته وقداسة البابا الهداية التذكارية، بمناسبة الزيارة البابوية للمملكة، والتي هي الأولى لقداسته منذ انتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية.
وفي كلمة ترحيبية لجلالة الملك بقداسة البابا في قصر الحسينية، أمام عدد من أصحاب السمو الأمراء وكبار المسؤولين، قال جلالته “إنه لشرف خاص أن تبدأ رحلتكم للحج إلى الأراضي المقدسة هنا في الأردن: أرض الإيمان، وأرض الأخوة… هنا، قبل خمسين عاما، استقبل والدي المغفور له جلالة الملك الحسين البابا بولص السادس – في أول زيارة بابوية رسمية لبلد مسلم… وهنا، منذ أربعة عشر عاما، كان لي شرف الترحيب بالقديس يوحنا بولص الثاني؛ وقبل خمس سنوات، تشرفت باستقبال البابا بندكتوس السادس عشر… وهنا أيضاً، يعمل المسلمون والمسيحيون اليوم على بناء مستقبل مشترك على أرضية واحدة من الاحترام المتبادل والسلام والإخلاص لله”.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة جلالة الملك: بسم الله الرحمن الرحيم،
والصلاة والسلام على سيدنا محمد، خاتم الأنبياء والمرسلين، النبي العربي الهاشمي الأمين،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
صاحب القداسة،
أهلا وسهلا بكم في الأردن، أرض السلام والتآخي الإسلامي المسيحي، ومنطلق الأنبياء والصالحين.
يقول الله عز وجل:
بسم الله الرحمن الرحيم
ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات، وأولئك من الصالحين (آل عمران 113 – 114)
صدق الله العظيم.
صاحب القداسة،
أرحب بكم باسم جميع الأردنيين.
إنه لشرف خاص أن تبدأ رحلتكم للحج إلى الأراضي المقدسة هنا في الأردن: أرض الإيمان، وأرض الأخوة.
هنا، قبل خمسين عاما، استقبل والدي المغفور له جلالة الملك الحسين البابا بولص السادس – في أول زيارة بابوية رسمية لبلد مسلم.
وهنا، منذ أربعة عشر عاما، كان لي شرف الترحيب بالقديس يوحنا بولص الثاني؛ وقبل خمس سنوات، تشرفت باستقبال البابا بندكتوس السادس عشر.
وهنا أيضاً، يعمل المسلمون والمسيحيون اليوم على بناء مستقبل مشترك على أرضية واحدة من الاحترام المتبادل والسلام والإخلاص لله.
صاحب القداسة، يجب أن تبدأ الخطوات القادمة للبشرية جمعاء على هذه الأرضية المشتركة.
إننا نواجه في عصرنا هذا تحديات عالمية كبيرة، وفي مقدمتها الثمن المؤلم للصراع الطائفي والديني. ولكن الله تعالى قد مكننا من وسيلة دفاع ناجعة. فحيثما ينشر أصحاب بعض العقائد الجهل والتشكيك بنوايا الآخرين، تتوحد أصواتنا لتحقيق التفاهم ونشر حسن النوايا. وحيثما تتحطم حياة البشر بمعاول الظلم والعنف، نوحد نحن جهودنا لجلب الشفاء وبث روح الأمل.
والواقع أن العالم مليء بأصحاب النوايا الحسنة الذين يسعون لصون كرامة الإنسان وتعزيز التعايش السلمي. واسمحوا لي أن أشير إلى قيادة قداستكم لهذه الجهود والمساعي، بكل امتنان وتقدير. لقد التزمتم بالحوار، وخاصة مع الإسلام، والمسلمون في كل مكان يقدّرون ما يصدر عنكم من رسائل الاحترام لهم، وسعيكم لكسب صداقتهم. فبالإضافة إلى كونكم خليفة القديس بطرس، فقد غدوتم، يا صاحب القداسة، تعبرون عن ضمير العالم أجمع.
ومنذ أن اعتليتم منصب البابوية وأنتم تذكّروننا، بالقول وبالفعل، أن اسم الحبر الأعظم يجسد حقيقة معنى “باني الجسور”. والأردنيون أيضا بناة للجسور، وتشمل مساعينا في هذا السياق إجراءات ملموسة وحقيقية نقوم بها منذ سنوات عديدة.
قبل عشر سنوات، كان لي شرف إصدار رسالة عمان، لإعادة التأكيد على دعوة الإسلام إلى الوئام العالمي والرحمة والعدالة، والرفض المطلق للادعاءات الباطلة لأولئك الذين ينشرون الكراهية ويزرعون بذور الفرقة.
والأردن أيضا موطن مبادرة أطلقناها عام 2007، وهي “كلمة سواء”، والتي تعبر عن اثنتين من الوصايا العظيمة للإسلام والمسيحية على حد سواء: محبة الله ومحبة الجار. وأتباع هذين الدينين – والذين يشكلون أكثر من نصف البشرية – هم جيران في كل مكان. وقد أطلقت “كلمة سواء” حوارا جديدا بيننا، حيث عقد اجتماعان للمنتدى الكاثوليكي الإسلامي، أحدهما في الفاتيكان والثاني في الأردن. وسيعقد المنتدى الثالث في روما في تشرين الثاني المقبل، إن شاء الله.
صاحب القداسة،
وبما أنني السليل الحادي والأربعين للنبي محمد (عليه الصلاة والسلام)، فقد سعيت إلى الحفاظ على الروح الحقيقية للإسلام، إسلام السلام. وواجبي كهاشمي يشمل حماية الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين في الأردن والقدس. ومن موقعي كوصي عليها، فإنني ملتزم بالحفاظ على المدينة المقدسة مكان عبادة للجميع، وأن أبقي عليها، بإذن الله، بيتا آمنا لكل الطوائف عبر الأجيال.
وفي العام الماضي، استضاف الأردن مؤتمرا إقليميا تاريخيا حول التحديات التي تواجه المسيحيين العرب. واسمحوا لي أن أؤكد على أن الطوائف المسيحية العربية هي جزء لا يتجزأ من منطقة الشرق الأوسط.
هنا في الأردن، يوجد تراث مسيحي عريق منسجم مع التراث والهوية الإسلامية لبلدنا. ونحن نعتز بهذا الإرث.
وإننا يا صاحب القداسة سعداء بأنكم، على خطى أسلافكم، سوف تقومون بزيارة حج إلى موقع عمّاد السيد المسيح (عليه السلام)، في بيت عنيا عبر الأردن.
صاحب القداسة،
يرتكز السلام العالمي على التفاهم والتعايش بين جميع الناس على اختلاف عقائدهم. وتحقيقا لهذه الغاية، بادرنا في عام 2010، بطرح مبادرة سنوية جديدة وهي “أسبوع الوئام العالمي بين الأديان” في الأمم المتحدة. وتكريما للإنجازات في هذا المجال، أنشأنا جائزة سنوية، منحت هذا العام إلى شباب ومنظمات تعمل في الهند والفلبين وأوغندا ومصر.
صاحب القداسة،
أتمنى أن نواصل العمل معا في الأيام المقبلة لتعزيز الوفاق ومواجهة التحديات، فعندكم من حب البشرية والحكمة ما يمكن أن يساهم بشكل خاص في تخفيف أزمة اللاجئين السوريين والعبء على البلدان المضيفة المجاورة مثل الأردن. ويجب أن نساعد سوريا على استعادة مستقبلها، ووضع نهاية لإراقة الدماء، وإيجاد حل سياسي سلمي هناك.
كما أن هناك حاجة أيضا لخطوات تتخذونها ودعم تقدمونه لمساعدة الفلسطينيين والإسرائيليين على إيجاد حل لصراعهم الطويل. إن الوضع الراهن الموسوم “بحرمان الفلسطينيين من العدل” والخوف من الآخر ومن التغيير يحمل وصفة للدمار المتبادل، وليس الاحترام المتبادل المنشود. ومعا يمكننا مساعدة القادة في كلا الجانبين على اتخاذ الخطوات الشجاعة اللازمة لتحقيق السلام والعدل وتعزيز التعايش.
صاحب القداسة،
تبدأون رحلة حجكم إلى الأرض المقدسة بالصداقة والاحترام الصادق لجميع الأردنيين. نرجو أن تثمر جهودكم ويحل السلام، وطوبى لمن يصنعون السلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من جانبه، قال قداسة البابا فرنسيس في كلمته ” أشكر الله على الفرصة التي أتاحها لي كي أزور المملكة الأردنية الهاشمية، على خطى أسلافي: بولس السادس، يوحنا بولس الثاني وبندكتس السادس عشر، كما أشكر جلالة الملك عبد الله الثاني على كلمات الترحيب الودية، فيما تبقى حية في ذهني ذكرى اللقاء الأخير في الفاتيكان. أحيي أيضًا أعضاء العائلة المالكة، والحكومة وشعب الأردن، الأرض الغنية بالتاريخ وبالمعاني الدينية العظيمة بالنسبة لليهودية والمسيحية والإسلام”.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة قداسته:
“صاحب الجلالة،
أصحاب السعادة،
أيها الأخوة الأساقفة،
أيها الأصدقاء الأعزاء،
أشكر الله على الفرصة التي أتاحها لي كي أزور المملكة الأردنية الهاشمية، على خطى أسلافي: بولس السادس، يوحنا بولس الثاني وبندكتس السادس عشر، كما أشكر جلالة الملك عبد الله الثاني على كلمات الترحيب الودية، فيما تبقى حية في ذهني ذكرى اللقاء الأخير في الفاتيكان. أحيي أيضًا أعضاء العائلة المالكة، والحكومة وشعب الأردن، الأرض الغنية بالتاريخ وبالمعاني الدينية العظيمة بالنسبة لليهودية والمسيحية والإسلام.
إن هذا البلد يستضيف بسخاء عددا كبيرا من اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين وآخرين قادمين من مناطق تشهد أزمات، لاسيما من سوريا المجاورة، والتي تعاني من صراع يدوم منذ فترة طويلة. وتستحق هذه الضيافة تقدير المجتمع الدولي ودعمه. إن الكنيسة الكاثوليكية، ووفقا لإمكاناتها، تريد الانخراط في مساعدة اللاجئين ومن يعانون من العوز، لا سيما من خلال كاريتاس الأردن.
وإذ ألاحظ بألم استمرار التوترات الشديدة في منطقة الشرق الأوسط، أتوجه بالشكر إلى سلطات المملكة على ما تقوم به وأشجعها على متابعة التزامها في البحث عن السلام المرجو والدائم من أجل المنطقة بأسرها؛ من هذا المنظار يصبح أمرا ضروريا وطارئا التوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية وإلى حل عادل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
أريد أن اغتنم هذه الفرصة لأجدد التعبير عن احترامي العميق وتقديري للمجتمع المسلم ولأعرب عن تقديري للدور القيادي الذي يقوم به جلالة الملك من أجل تعزيز فهم أفضل للقيم التي يعلمها الإسلام والتعايش الودي بين مؤمني مختلف الديانات. وأعبر عن امتناني للأردن على تشجيعه بعض المبادرات الهامة لصالح الحوار بين الأديان بغية تعزيز التفاهم بين اليهود والمسيحيين والمسلمين، ومن بينها “رسالة عمان للأديان”، وعلى إطلاقه، داخل منظمة الأمم المتحدة، مبادرة الاحتفال السنوي بـ “أسبوع الوئام العالمي بين الأديان”.
أود الآن أن أوجه تحية مفعمة بمشاعر المودة إلى المجتمعات المسيحية المتواجدة في البلاد منذ زمن الرسول، والتي تقدّم إسهامها لصالح الخير المشترك للمجتمع المنخرطة فيه بشكل كامل. ومع أنها اليوم أقلية من حيث العدد، فهي تقوم بنشاط جدير ومثمَّن على الصعيدين التربوي والصحي، من خلال المدارس والمستشفيات، كما تستطيع هذه المجتمعات التعبير عن إيمانها بكل طمأنينة، في إطار احترام الحرية الدينية التي تشكل حقا إنسانيًّا أساسيًّا، وآمل بشدة أن يؤخذ هذا الحق في عين الاعتبار في كل مناطق الشرق الأوسط وفي العالم بأسره. إنه “يشمل في الوقت ذاته، الصّعيدين الفرديّ والجماعيّ، حُرِّيّة اتباع الضَّمير في المسائل الدِّينيِّة، وكذلك حُرِّيّة العبادة … حريّة اختيار الدّيانة الَّتي يرتئي الشَّخص أنَّها صحيحة والتّعبير علانية عن هذا المعتقد” (بندكتس السادس عشر، الإرشاد الرسولي الكنيسة في الشرق الأوسط، 26). المسيحيون يشعرون بأنهم مواطنون يتمتعون بمواطنة كاملة، وهم كذلك، ويريدون الإسهام في بناء المجتمع مع مواطنيهم المسلمين من خلال تقديم إسهامهم الخاص والمميز.
وأوجه في الختام أمنية خاصة كي ينعم الأردن وشعبه بالسلام والازدهار، على أمل أن تساهم هذه الزيارة في تكثيف وتعزيز العلاقات الطيبة والودية بين المسيحيين والمسلمين.
أشكركم على اللطف وحسن الضيافة. وليمنح الله الرحيم وكلي القدرة جلالتَكما السعادة والعمر المديد، وليسكب على الأردن فيض بركاته. سلام”.
وحضر اللقاء رئيس الوزراء، ورئيس مجلس الأعيان، ورئيس مجلس النواب، ورئيس المجلس القضائي، ورئيس الديوان الملكي الهاشمي، ومدير مكتب جلالة الملك، وعدد من الوزراء، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، السفير الأردني لدى فرنسا والكرسي الرسولي، وعدد من علماء الدين الإسلامي ورجال الدين المسيحي، وكبار المسؤولين.