منذ وصوله إلى البيت الأبيض في ولايته الأولى، لم تكن العلاقات بين الرئيس “باراك أوباما” وإدارته حميمة مع الحكومة الإسرائيلية، وبخاصة بعد أن أطلق “أوباما” رؤيته لحل القضية الفلسطينية، بدعوته إسرائيل لوقف البناء الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، هذه الرؤيا التي أحبطتها إسرائيل من خلال تدخل قوى الضغط اليهودية في الولايات المتحدة ولوبياتها وسطوتها على الكونغرس الأميركي، وعلى وسائل الإعلام الأميركية، الأمر الذي أدى إلى اختفاء الثقة وبروز التحفظات الأميركية تجاه السياسة الإسرائيلية، وبخاصة في الموضوعين الفلسطيني والإيراني، رغم الدعم الأميركي لإسرائيل، والتزامها بأمنها ومساعدتها لها مادياً وعسكرياً وسياسياً، فالخداع الإسرائيلي بما يسمى بحل الدولتين، أدى إلى انتقادات أميركية علنية، مع تحذير أميركي بأن التعنت الإسرائيلي هذا سيؤدي إلى عزل إسرائيل دولياً، واتهامها بأنها تسير على طريق “الأبرتهايد”، الأمر الذي أدى إلى إتباع الولايات المتحدة أسلوباً جديداً في تعاملها مع إسرائيل، لحمل الرأي العام الأميركي على إعادة النظر في هذا التأييد وضغطه وتأليبه ضد سياسة حكومة “نتنياهو”، فسربت من خلال مقالين في جريدة “نيوزويك” الأميركية، بعض الاتهامات لإسرائيل وأهم هذه الاتهامات قيامها بالتجسس على الولايات المتحدة، ومحاولتها عرقلة الحل الدبلوماسي الأميركي مع إيران، إلى غير ذلك من القضايا الخلافية التي سنأتي عليها، الأمر الذي أدى إلى تدهور العلاقات الإسرائيلية-الأميركية إلى مستوى غير مسبوق، مع أننا لا نراهن على هذا التدهور في العلاقات، إذ أنها ليست الأولى، واستطاعت إسرائيل في الماضي الالتفاف عليها، فهذه غيمة عابرة سيتجاوزها الزمن، خاصة وأن التنسيق الأمني والاستخباري بين الجانبين مستقر، أما أهم الإشكالات في العلاقات بين البلدين، فإننا نلخصها بما يلي:
1-أثار تقرير التجسس الإسرائيلي على الولايات المتحدة، ردود فعل غاضبة في أميركا، ونفي إسرائيلي لهذه الاتهامات وصفت بالأكاذيب هدفها تخريب العلاقات بين البلدين، وحسب الجريدة، فإن الإسرائيليين يقومون بإغراء علماء ورجال أمن أميركيين، بالمخدرات والمشروبات الروحية، والنساء، حتى أن إسرائيل حاولت التجسس على نائب الرئيس الأميركي السابق ألبرت آل جور، حينما زار إسرائيل عام 1998، بوضعها عميلاً لها في قناة التهوية في غرفته بالفندق ولا ننسى “جوناثان بولارد” اليهودي الأميركي أقوى مثال على التجسس الإسرائيلي على أميركا، وتعترف الجريدة بأن الولايات المتحدة لا تعاقب إسرائيل في هذه القضايا، بل تتعامل معها بقفازات حريرية، بفضل تدخل أعضاء الكونغرس واللوبي اليهودي لصالح المتهمين اليهود بالتجسس، مع أن المخابرات الأميركية اعتادت تصنيف إسرائيل سنوياً كدولة خطيرة على صعيد التجسس ضدها، وطبيعي أن تنفي إسرائيل الاتهامات، ومهما كانت شدة التوبيخ كانوا يتحملون ويستمعون بهزة رأس خفيفة، حتى أن الجهات الأميركية ألغت الإجراءات الجارية لإعفاء الإسرائيليين من تأشيرات “فيزا” الدخول إلى الولايات المتحدة، بسبب عمليات التجسس، وتفيد المعلومات أن معظم الجواسيس الإسرائيليين يأتون إلى أميركا في بعثات رسمية، وأن عمليات التجسس متواصلة على نطاق واسع منذ سنوات، وحسب جريدة “يديعوت احرونوت 7-5-2014” فإن هجوم قادة الأجهزة الأمنية الأميركية على إسرائيل لا سابق له.
2-هناك خلاف أميركي- إسرائيلي حول النووي الإيراني، فقد وصلت لإسرائيل بتاريخ “7-5-2014″، مستشارة الأمن القومي الأميركي “سوزان رايس”، لإجراء سلسلة من المحادثات بالشأن الإيراني، فـ “نتنياهو” من أشد المعارضين لمسار العمل الدبلوماسي الأميركي مع إيران، بينما اعتبرت رايس أن الهدف من زيارتها هو إطلاع إسرائيل على سير المحادثات مع إيران، لتخفيف القلق الإسرائيلي من الاتفاقات الأميركية مع إيران، مع أن “نتنياهو” يستخدم موضوع النووي الإيراني، لتحقيق كل أنواع الأهداف السياسية، حسب ما صرح به الجنرال “عوزي عيلام”، مسؤول المشروع النووي الإسرائيلي والذي لا يريد أن يكون الحل مع إيران عسكرياً، ويقول: “إن المشروع النووي الإيراني، في حال استمراره، لن يكون جاهزاً قبل عشر سنوات من الآن”، غير أن نفاق العالم الغربي يتجاهل النووي الإسرائيلي.
3-إسرائيل منزعجة جداً من الموقف الأميركي الذي يحملها مسؤولية فشل المفاوضات مع الفلسطينيين، فهي تعتبر الرئيس “أوباما”، ووزير خارجيته “كيري”، ليسا من أحباء إسرائيل، وأكثر ما أغضبها تحميل “كيري” –أمام الكونغرس الأميركي- إسرائيل أسباب فشل المفاوضات، لعدم تنفيذها إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى حسب الاتفاق، والإعلان عن مشاريع الأبنية الاستيطانية الجديدة، حيث تعرض كيري لضغوط هائلة من إسرائيل، ولوبياتها الأميركية طالبين منه الاعتذار، لمجرد تحذيره من خطر أن تصبح إسرائيل دولة “أبرتهايد” لكنه تملص من الاعتذار، بينما طلبت الحكومة الإسرائيلية رسمياً وبكل وقاحة من واشنطن بتاريخ 7-5-2014 تحميل الجانب الفلسطيني المسؤولية عن فشل المفاوضات في الرسالة التي أعدها مستشار الأمن القومي الإسرائيلي “يوسي كوهن”، وبعث بها إلى السفير الأميركي في تل-أبيب، ومسؤولين في الإدارة الأميركية، وسفراء دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين والأمم المتحدة، كانت رسالة سخيفة لا تعتمد على حقائق، حتى أن الإدارة الأميركية لم تأخذ بها، فهذه الرسالة جزء من حملة إعلامية ضد الفلسطينيين، وبخاصة ضد الرئيس “محمود عباس”، ويقول وزير الخارجية “أفيغدور ليبرمان”: “يجب إزالة القناع عن وجه “عباس”، و”نتنياهو” يقول: “بأن “عباس” لم يوافق على شيء”، فيما أكد الرئيس الإسرائيلي “شمعون بيرس”، بأنه توصل لاتفاق مع “عباس” قبل ثلاث سنوات، وأن “نتنياهو” أحبطه، وهذا اعتبر صفعة في وجه “نتنياهو” كشف كذبه وخداعه، في المقابل فإن ممثل أميركا في المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية “مارتين إنديك”، اعتبر أن النشاطات والعطاءات للبناء الاستيطاني التي قامت بها إسرائيل خلال المفاوضات، كانت ترمي لتخريب المفاوضات، وقال:” إننا حذرنا من هذه الخطوات الإسرائيلية دون فائدة”، فـ “عباس” توصل إلى نتيجة مفادها، أنه ليس لديه شريك يعتمد عليه لحل الدولتين الذي كان يسعى إليه، حتى أن الوزيرة “تسيفي لفني” رئيسة الجانب الإسرائيلي في المفاوضات، اعترفت أن النشاط الاستيطاني أضر بإسرائيل وبالمفاوضات، وأنها لا تستطيع الدفاع عن البناء الاستيطاني والتوسع في المستوطنات، متهمة أشخاصاً في الحكومة الإسرائيلية، بأنهم لا يريدون السلام، بل يضعون عراقيل أمام المفاوضات، وفي محاضرة ألقاها “إينديك” في معهد “واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” في واشنطن قال بأن:” النشاط الاستيطاني يعمل على تخريب المفاوضات، وهذا سيدفع إلى واقع جديد تصبح فيه إسرائيل دولة ثنائية القومية، وليست دولة يهودية”.
4-في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية، الذي نشر بتاريخ “5-5-2014” حول الإرهاب في العالم، حمل هذا التقرير في جزء منه، انتقاداً للإرهاب الذي يقوم به المستوطنون الذين يطلق عليهم “تدفيع الثمن”، وأن الحكومة لا تقوم بمعاقبتهم على الأضرار التي يلحقونها بالفلسطينيين، ولا يُقدمون للمحاكمة، ويشن التقرير الأميركي انتقادات شديدة جداً على إسرائيل مؤكداً أن الإرهاب اليهودي يتفاقم.
جريدة “هآرتس 11-5-2014″، اعتبرت أن العلاقات الإسرائيلية-الأميركية لم تشهد مثل هذا التدهور، منذ حكومة “إسحاق شامير” عام “1989”، فالاتهامات من قبل المسؤولين الأمريكان، تعكس التردي الذي وصلت إليه العلاقات بين البلدين، وهناك تعبئة ضد السياسة الإسرائيلية، فقد نقل موقع “إسرائيل باتريوت 7-5-2014: بأن طلاباً في مدرسة “ريالتو” بكاليفورنيا الأميركية، اعتبروا أن ما يقال عن غرف الغاز كذبة، وأنها رواية سياسة ترمي للتأثير على مشاعر الجماهير والحصول على المال، وأن ما يقال حول عمليات قتل بالغاز في معسكرات الإبادة هو أكاذيب، ولا وجود لأي أدلة تشير إلى أن اليهود قتلوا في “غرف الغاز”، “الغريب أن إسرائيل لم تتهم هؤلاء الطلاب باللاسامية”، بقي أن نقول أن التحول الأميركي ضد إسرائيل فرصة على العرب استغلالها من خلال حملة للتأثير على الرأي العام الأميركي ، ولا يجب إضاعتها.