انهيار المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية هو دليل آخر على أن الذي يحكم إسرائيل اليوم ويتحكم بالمستقبل السياسي لاكثر من أربعة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة هو المستوطنون اليهود الذين يعيشون في الضفة الغربية والذين لا يتجاوز عددهم 370 ألفاً. فهؤلاء هم الذين يسيطرون اليوم على سياسة الائتلاف الحكومي برئاسة بنيامين نتيناهو، وهم الذين يفرضون ارادتهم ورغبتهم على المؤسسات العسكرية والسياسية للدولة على حد سواء، ولديهم هدف واحد لا يحيدون عنه هو البقاء في الضفة الغربية وتوسيع مشروعهم الاستيطاني بالاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الاراضي الفلسطينية، والعمل على ترحيل السكان الفلسطينيين طوعاً او قسراً عن اراضيهم بالاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم والتضييق على حياتهم اليومية وقطع موارد رزقهم، وذلك من دون حسيب أو رقيب.
يرفض المستوطنون اليهود حل الدولتين، ولا يريدون تحديد حدود إسرائيل ولا انهاء الاحتلال، وما يريدونه هو تأبيد هذا الاحتلال الى ما لانهاية وصولاً الى ضم الضفة الغربية. ولا تخيفهم فكرة تحول إسرائيل دولة ثنائية القومية والخطر الديموغرافي الفلسطيني، فالمهم في نظرهم عدم التنازل عن أي مستوطنة معزولة أو بؤرة استيطانية غير قانونية وعدم اقتلاع يهود من مستوطناتهم. وهم يؤمنون في قرارة أنفسهم بأن الزمن يعمل لمصلحتهم، ومثلما جرى خلال العقود الماضية من النزاع ليس امام الفلسطينيين سوى الخنوع والقبول.
في المقابل، وعلى رغم الغبن والظلم اليومي اللذين يعانيهما الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فان محنتهم اليوم تبدو اكبر من اي يوم مضى وعصية على الحل، وخصوصاً في ظل عدم وجود مشروع فلسطيني وطني جامع، ووصول حل الدولتين الى حائط مسدود، والاهم من هذا كله المأزق الذي تواجهه المقاومة المسلحة منها والشعبية من جراءغرق الفلسطينيين في مستنقع أزماتهم اليومية والمعيشية.
وبعد تخلي الولايات المتحدة عن وساطتها في حل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، فان من يتحكم اليوم بمجرى التطورات السياسية المقبلة هو اليمين القومي الإسرائيلي الذي لا تهمه ضغوط المجتمع الدولي لانهاء الاحتلال ولا يخاف العزلة السياسية، بل يعتبر أي مسعى دولي لحل النزاع تدخلاً في الشؤون الداخلية الإسرائيلية.
قبل فترة أحيا الفلسطينيون ذكرى النكبة، بيد ان التطورات الدراماتيكية المتسارعة التي اعقبت فشل المفاوضات السلمية تهدد بنكبة فلسطينية أخرى، والمصالحة الفلسطينية وحدها لا تكفي للحؤول دون حصولها، فالمطلوب اليوم رؤيا فلسطينية وطنية جامعة تنقذ مشروع الدولة الفلسطينية من الموت.