كنت عائدا إلى الدوحة من دولة عربية بعد حضور ندوة عن حال الأمة العربية بعد أحداث “الربيع العربي” كان يجلس إلى جواري مسافر آخر من دولة عربية في طريقه إلى جنوب شرق آسيا موطن إقامته، بعد أن استوت الطائرة في الجو وأنبأنا الطيار بإمكانية فك ربط الحزام. التفت الرجل إليّ وتبادلنا التحيات والتعارف واتضح أنه يعرفني عبر الأثير.
بادرني بالسؤال عن مستقبل الخليج العربي في ظل الظروف الراهنة وتابع القول: العراق خسره العرب وعلى وجه التحديد عرب الخليج العربي والفلسطينيين، سوريا اليوم تسبح في دماء أبنائها بلا وعي من كل القوى خاصة النظام السياسي القائم في دمشق، وغاب العقل عند الإسلاميين فلم يحسنوا جهادا كما قال ولم يحسنوا أداء سياسيا، ولبنان يبحث عن رئيس جمهورية “سني، شيعي، مسيحي، درزي ” وحتى الآن لم يعثروا عليه، وهذه مصر تعيش في فوضى سياسية واجتماعية وكارثة اقتصادية. واليمن حروب قبلية تحرق الأخضر واليابس. فماذا أنتم فاعلون؟!
قلت لجاري في الجو: في الخليج العربي براكين سياسية تكاد أن تتفجر فتحرق الأرض ومن عليها وحطب تلك البراكين لتأجيجها مداخن البترول والغاز وحقولهما وعندئذ لا حول لنا ولا قوة.
(2)
يقول محدثي: إنه يقرأ في الصحافة العربية والدولية هجوما على قطر ترتكز على العمالة وحقوق الإنسان ودعم وتأييد تنظيم الإخوان المسلمين. كان ردي المتواضع أنها حملة ظالمة يقودها ويؤججها من وقت لآخر بعض إخواننا في الدول العربية مستخدمين وسائل الإعلام الغربية كل ذلك في تقديري “غيرة من قطر” التي تمكنت من الفوز باستضافة مونديال كأس العالم عام 2022 هذا في جانب العمالة وحقوق الإنسان. إلى جانب الدور الريادي في السعي لحل المنازعات في بعض الأقطار العربية “لبنان، اليمن، السودان، جيبوتي وفلسطين” وغير ذلك من النجاحات التي حققتها الدبلوماسية القطرية على صغر حجمها السكاني والإداري لكن عندها إرادة قوية وإيمان بما تفعل.
في جانب العمالة، إن قطر لا تختلف في تعاملها مع العمالة الوافدة عن أي دولة خليجية، فنظام الكفيل معمول به في كل الدول الخليجية وبدون استثناء. إن الدولة القطرية تعمل اليوم لإيجاد تشريع إلى جانب التشريعات السابقة يحقق الحقوق للعمالة وللمواطن والشركات المتعاملين مع تلك العمالة. وللعلم فإن عمل عمال المنشآت في العراء يتوقف الساعة الحادية عشرة صباحا في أيام الصيف وهذا الإجراء تعمل به قطر وحدها، ولتعلم يا سيدي بأنه لم تتم حالة إضراب احتجاجية واحدة من العمالة الأجنبية في قطر احتجاجا على ممارسات أو لعدم إعطاء الحقوق بينما حدث في دول الخليج الأخرى وأخص بالذكر هنا الكويت والبحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة.
تقول وسائل إعلام أجنبية المحرّضة من قبل إخواننا العرب إن هناك أعدادا كبيرة من الوفيات بين أفراد هذه العمالة في قطر نظرا لسوء الأحوال الجوية صيفا، وتقدر العمالة في قطر مليونا وأربعمائة ألف إنسان، ألا تريد أن يموت واحد منهم في اليوم، وكذلك الإمارات بها ثلاثة ملايين ومائتا ألف عامل بمعنى آخر في الخليج ما يزيد على 12 مليون عامل آسيوي (الخليج: في سياق استراتيجي متغير، ص 284). إن هذه الهجمة على قطر مستخدمين العمالة وحقوقها الهدف منها هو محاولة لإفشال استضافة قطر لمونديال 20122 لكأس العالم.
أريد التأكيد أن نجاح دولة قطر في استضافة فعاليات 2022 هو إنجاز لدول مجلس التعاون ونجاح لهم وكذلك للوطن العربي بعد أن فشلت في ذلك كل من مصر والمملكة المغربية في زمن سابق. جملة القول هنا إن السفارات الأجنبية في الدوحة المصدرة للعمالة شهدت بأن جالياتهم يتمتعون بظروف عمل جيدة وأن حقوقهم مصانة من قبل وزارة العمل القطرية وأرباب العمل علما بأن قطر قد أقامت مدنا عمالية فيها كل التسهيلات التي يحتاجها العامل، وهنا أقفل هذا الملف معك كي أنتقل إلى النقطة الثانية التي أشرت إليها.
(3)
الخليج يا سيدي يعيش أزمة ثقة بين قياداته العليا، وهذه القيادات تسمع بآذان صاغية للنميمة السياسية في القصور وبث الفرقة بينهم وما يحدث مع قطر “سحب السفراء ” والقول المستمر وبدون كلل بأن قطر موقعة على تعهدات في الرياض وهذه الرواية تحتاج إلى دليل يقطع الشك في صحة القول باليقين. وما يتعلق بدعم وتأييد حركة الإخوان المسلمين فهذا أيضاً افتراء، وفي علم الكاتب أن قطر ليس مسموحا فيها بتأسيس أحزاب أو منظمات أو نقابات سياسية لشعبها فما بالك بالسماح لقوى أخرى. يمكن أن تعين ماديا أفرادا ينتمون إلى هذا الحزب أو ذاك تحت شعار “ارحموا عزيز قوم ذل ” أما تأييد الإسلاميين كجماعة فقد حدث في سوريا، وكل دول الخليج القادرة ماديا ساعدت المقاومة والثورة في سوريا ولم تعد قطر وحيدة في ذلك.
آخر القول: قبل نزول الطائرة مطار الدوحة، قلت لرفيق سفري جوا: إن هناك حركات وتنقلات مسؤولين بين عواصم دول الخليج العربي تجري هذه الأيام وحتما هناك طبخة سياسية تطبخ ضد ومع أطراف مختلفة، لكنني أردد قول الحق عز وجل “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تتعاونوا على الإثم والعدوان”
د.محمد صالح المسفر/حوارات سياسية في الجو
14
المقالة السابقة