من الواضح أن أطرافا داخلية وعربية ودولية تسعى إلى إشعال الوضع في ليبيا، ومد الحريق من هناك ليتصل مصر وفلسطين وسوريا والعراق، لإدخال ليبيا في “هلال النار” الملتهب، والهدف هو تقويض “الربيع العربي” من المحيط إلى الخليج.
المغامرون في ليبيا يتجاهلون حقيقة أن هذه البلاد هي “بيت النار”، فهي تفتقر للمؤسسات والنظام بعد أن تركها العقيد القذافي “حطاما وركاما”، وهي تعيش جملة من التناقضات والخلافات والصراعات، ديمغرافيا وجغرافيا، ويكفي الإشارة إلى سعي بعض مناطقها إلى الانفصال، أو الاستقلال الإداري، وبروز دور القبيلة كقوة رئيسية في غياب الدولة ومؤسساتها وأجهزتها.
ليبيا حاليا تعيش مرحلة ما قبل الدولة، فلا القذافي ترك فيها إرثا من المؤسسية، ولانخب ما بعد مرحلة ثورة 17 فبراير استطاعت أن تؤسس لأي شكل من الدولة، وبقيت هذه النخب الفاشلة في حالة شد وجذب، تقود البلد من فشل إلى فشل، ومن أزمة إلى أزمة، على الرغم من امتلاك ليبيا لثروات كبيرة من المال والنفط والمصادر الطبيعية الأخرى، وأراض زراعية وشواطئ تمتد على طول 2000 كيلو متر، وإمكانيات كبيرة للصيد البحري، وانشغلت هذه النخب الفاشلة في صراعاتها المختلفة بدل الانشغال في بناء الدولة، وتعاملت مع الوضع هناك برعونة تفوق الوصف، وأدخلت ليبيا في نفق مظلم.
لم يقف الأمر في تدهور الأوضاع في ليبيا عند حد فشل هذه النخب في مرحلة ما بعد انتصار ثورة 17 فبراير، فهناك أيضا العديد من القوى العربية، القريبية من ليبيا والبعيدة عنها، تدخلت بشكل سلبي من أجل تقويض الثورة، وتحويل انتصار ليبيا على القذافي إلى “علقم” يتجرعه الشعب الليبي لتكفيره بالثورة ودفعه إلى اليأس، ودفع الأمة العربية كلها إلى اليأس من الثورة والتغيير والرضى ببقاء الوضع على ما هو عليه، وإجبار الشعب الليبي والشعوب العربية بحسنات “الدكتاتورية مع الأمن”.
مشكلة المغامرين العرب، القريبين والبعيدين عن ليبيا، أنهم ينسون أو يتناسون ويتجاهلون حقيقة أن اللعب في ليبيا “مغامرة غير محسوبة”، وأن محاولة تغيير المشهد هناك بالقوة المسلحة ضرب من المستحيل، فالناس في هذا البلد يملكون ترسانة من الأسلحة لا تملكها الدولة غير الموجودة أصلا، والكتائب المسلحة، ليست أكثر من ميليشيات وهي عبارة عن واجهات مسلحة للقبائل، فلكل قبيلة ذراع مسلحة، تدافع من خلال عن نفسها في “غابة السلاح” وغياب الدولة، وبالتالي فإنه من الحمق القول إن فصيلا مسلحا مهما كانت قوته ومهما كان الدعم الذي يحصل عليه قادر على السيطرة على الوضع هناك، وبالطبع فإنه من السذاجة الاعتقاد أن أي قوة مهما كانت تستطيع أن تنفذ انقلابا عسكريا على “لا دولة”، مما يجعل من الحركة التي قام بها العقيد خلفية حفتر، نوع من العبث على الطريقة الليبية التي لا تفتأ تفاجئنا بأشياء، لم نكن ننتظرها إلا من العقيد المقتول معمر القذافي.
كان الأولى على الدول العربية المحيطة بليبيا، والدول العربية التي تمول الشر هناك، أن تساعد الليبيين على بناء الدولة بعد انتصار الثورة وإزاحة حكم القذافي، ولكنها بدلا من ذلك، عملت على دفع ليبيا إلى الهاوية لإفشال الربيع العربي، فهذه الأنظمة لا يهمها لا ليبيا ولا الشعب الليبي، وكل ما يهمها هو تدمير الربيع العربي في ليبيا، وتقويض الانتصار هناك، كما تحاول تدمير “صناعة التغيير” في مصر وسوريا واليمن، من أجل استمرار الديكتاتورية والاستبداد والأنظمة الفاسدة.
ليبيا ليست ثمرة ناضجة يمكن أن تسقط في هذه اليد أو تلك، ليبيا عبارة عن كرة من النار، ستحرق كل يد تحاول الإمساك بها أو دحرجتها، وهذا ما سيدركه المغامرون الداخليون والخارجيون على حد سواء.
سمير حجاوي/ليبيا تدخل هلال النار
19
المقالة السابقة