لن يكون المرشح للرئاسة في مصر المشير عبدالفتاح السيسي قلقاً على مصير الاقتراع بعد أيام قليلة. ولن يكون قلقاً من “الأسبوع الثوري” الذي يتحدى به “الإخوان المسلمون” وأنصارهم ما يعتبرونه “مسرحية”، تكرّس السلطة الشرعية الدستورية لحكم السيسي، وخريطة الطريق التي يفترض أن تُستكمل بالانتخابات البرلمانية في الخريف.
بين موعد الاقتراع الرئاسي و13 آب (أغسطس) 2013، عشية فضّ اعتصام ميدان “رابعة”، تغيّرت وقائع ومعطيات، تبدّلت مصر وأُنهِكت رغم الدعم المالي العربي (21 بليون دولار) لإنقاذ اقتصادها من الانهيار. تراجعت ضربات العنف لكنها لم تتوقف ويُستبعد لجمها في المدى القريب، الضحايا من الشرطة والجيش والمدنيين، مسلمين وأقباطاً، ومثلما فشلت جماعة “الإخوان” في التبرؤ من العنف وفي إدانة الإرهاب، ولو أربك أجهزة السلطة، لم يكن النظام كذلك صائباً في تبرير محاكمات لمئات من جماعة “الإخوان”، ولم يستطع إقناع الغرب بأن القضاء المصري نجا من تأثيرات الصراع السياسي مع جماعة صُنِّفت “إرهابية”.
والحال ان “الإخوان” الذين ما زالوا مصرّين على “شرعية” الرئيس “المخطوف” محمد مرسي، فقدوا الكثير من قواعدهم الشعبية، ليس فقط بسبب الضربات الأمنية والملاحقات القضائية لقادتهم ورموزهم، بل خصوصاً لأن وقائع الشهور التي تلت فضّ اعتصام “رابعة” حوّلت الاهتمام الشعبي إلى أولوية إنقاذ مصر واستعادة استقرارها وحيوية اقتصادها. إذ أدركت غالبية المصريين أن الزمن لن يعود إلى وراء، بعدما خسرت الجماعة معركتها الكبرى. صحيح أن بينهم من يبرئ “الإخوان” من قتل عناصر أمنية وعسكرية، ولا يرى كذلك أحكاماً منصفة في العقوبات المشددة لقادة “الإخوان” ومئات من أنصار الجماعة، لكن الصحيح أيضاً أن الشارع المصري ارتاب فترة طويلة إزاء ترددهم في إدانة ما ترتكبه جماعات تشيع الكراهية… وبالطبع، كان لمصلحة السلطة تراكم الشكوك في احتمال توزيع أدوار بين مَنْ يحرّكون الشارع والتظاهرات الصاخبة على أبواب الجامعات، وبين مَنْ يقصفون الشرطة والجيش بالقذائف، من سيناء الى القاهرة.
كان بديهياً أن يأتي شعبياً شعار منافس السيسي في انتخابات الرئاسة، حمدين صباحي، حول العدالة الانتقالية، والقصاص لمن يتحمّل مسؤولية قتل معتصمين في “رابعة” في 14 آب 2013. وإن كان لهذا الوعد ان يرفَع بعد ايام نصيب صباحي من أصوات المقترعين، فالواقع أن زعيم “التيار الشعبي” لن يفاجئه اختيار نسبة متقدمة من الناخبين، خصمه السيسي، ليس لتفضيل برنامج سياسي على آخر، أو الجيش على الأحزاب، بل لانتخاب الاستقرار أولاً وأخيراً… و “الأقوى” الذي يتصدى للعنف.
ولن يكون مخيّباً، بعد عبور مرحلة الاقتراع المعروفة نتائجه مسبقاً، تأرجُح حبل الأمن على سياسة مواجهة “الإرهاب” بالقوة. لكنّ السؤال هو بعدما حرص المرشح السيسي على رثاء دولة “تهاوت مفاصل مؤسساتها وغابت بصمتها”: هل يتحمل المصريون ومصر الانتظار سنتين طالب بهما وزير الدفاع السابق فترة سماح، كي يضع الأزمات المستعصية على سكة الحلول؟
قد يكون إقبال المصريين في الخارج على الاقتراع مؤشراً إلى ضيق حيز المقاطعة التي دعت إليها جماعة “الإخوان”. ولكن بعد وصول السيسي إلى قصر الرئاسة، ونجاح الجماعة في الانزلاق إلى حصار العزلة، وفشلها في التخلص من شبهة الذين يقاومون السلطة بالتفجيرات والقتل… حتى منذ ما قبل تصنيفها “إرهابية”، لن تكون مشكلة “الإخوان” والمحاكمات الجماعية، على رأس الأزمات التي تضيّق الخناق على الجميع. فلا حل سحرياً يجعل الدعم العربي ابدياً، ولا السيسي أو سواه قادر على اجتراح معجزة ترميم السلم الاجتماعي سريعاً، أو إنقاذ الفقراء في الرمق الأخير خلال شهور… أو انتشال مصر من خندق الكراهية والعنف، بغمضة مشير.