عروبة الاخباري – خاص – كتب سلطان الحطاب – ليس لدى الدبلوماسية العمانية فائض وقت او جهد لتعطيه للوساطة بين الدول المتخاصمة او التي توترت العلاقات بينها في الاقليم او المنطقة العربية او حتى على المستوى الابعد اي دوليا ولكن الوساطة والتقريب بين وجهات النظر والوصول الى حلول للمشاكل المستعصية هو جزء من السياسة العمانية . بل انه جزء اصيل فيها منذ خرجت عمان من عزلتها قبل 44 سنة وانطلقت بالنهضة التي يقودها السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان ..
وحين نقول ان الوساطة واصلاح العلاقات بين الدول في الرؤية العمانية هو جزء من سياساتها فان ذلك ينسجم مع الفلسفة العمانية القائمة على رفض التدخل في شؤون الغير وعلى الحرص على الاستقلال الوطني ووحدة التراب العماني ولذا فان الدبلوماسية العمانية العريقة المستندة الى تراث طويل وعميق ظلت بذوره خزينة منذ عهد الامبراطورية العمانية وقبل تمزقها هذه الدبلوماسية تعمل الان على اساس ان الاستقرار والامن هما العنوانان الاساسيان للمنطقة حيث موقع السلطنة ولذا فان عمان ظلت تصادق او تعادي اي طرف على هذا الاساس وبسببه عملت على تصفير كل خلافاتها حتى مع دول الجوار العربية وخاصة اليمن والامارات والسعودية حين اجرت مفاوضات وعدلت الحدود حتى لا يكون ذلك مثار اي خلاف مستقبلي على مسيرتها الصاعدة وكانت لينة في هذا الجانب ومضحية ونماذج ذلك معروفة ..
ليس غريبا ان تنجح الوساطة العمانية في اكثر من مناسبة وقضية لانها لا تعمل من اجل الثناء او لاهداف تكتيكية وانما لخدمة المصلحة العمانية في الدرجة الاولى والتي تندرج نتائج الوساطات بتحقيق الامن والاستقرار في منطقتها في خدمة مصلحتها . ومن هنا كان عرض الوساطة العمانية بين البحرين وقطر وبين السعودية وقطر على مستوى الاقليم ومن اجل تخفيف الحصار عن مخيم اليرموك في وساطة لدى ايران عبر سوريا وايضا والاهم الوساطة بين الولايات المتحدة الاميركية وايران وقد نجحت وحملت الكثير من النتائج وازالت الكثير من التوترات الخطرة بغض النظر عن ما هي عليه هذه العلاقات الان فقد التقى الاميركيون والايرانيون في عمان وطهران وواشنطن وكان للدبلوماسية والسياسة العمانية الدور الرئيس
هذه الوساطة ايضا انجزت تحريكا في جمود العلاقات السعودية الايرانية حين حملت زيارة السلطان العام الماضي في اب 2013 اكثر من ملف وحين قام الرئيس الايراني الجديد بزيارة مسقط اذ لم يلبث بعد ذلك وزير الدولة للشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي ان وصل الرياض وبدأت الصفحات تقلب ويعاد اعراب كثير من الجمل التي لم تكن تعرب ورفعت كثير من المواقف المعترضة واصبحت بعض الاسماء غير ممنوعة من الصرف ..
اما لماذا نهج الوساطة والحرص على الاستقرار في السياسة العمانية فلذلك اكثر من دافع بعضه يتعلق بتاريخ عمان وما واجهته من فترات مد وجزر ومرارة وبعضها يعود لطبيعة المذهب الذي تدين به عمان ( الاباضية ) وحرص اتباعه على علاقات طيبة ورغبة في التعايش وكون المذهب ايضا ينبذ العنف ويحصن العمانيين منه ..
اضافة الى موقع عمان الجغرافي الخطير على ساحل الخليج والمحيط الهندي وكلفة امن ذلك وحماية الاستقرار من المتغيرات التي قد تطرأ ..
لعمان رصيد كبير من سياسة التوازن والحياد الايجابي وعدم التدخل في شأن الاخر او الانحياز الى هذا الطرف وذلك حيث تلتزم السياسة العمانية في هذا المجال مصالح عمان الذاتية في الدرجة الاولى بعيدا عن اي شعار مهما كان بريقه وبعيدا عن الاصطفاف مع هذا الطرف او ذلك ولعل الموقف العماني الواضح من الشراكة في مجلس التعاون الخليجي والذي تحفظ على بعض الطروحات والاراء والمواقف لبعض دول المجلس ناتج عن رفض اي محاولة لتوظيف دور المجلس او انحيازه لموقف ضد اخر او لاستقطاب جهة ضد اخرى او ان يكون في خدمة احد اعضاءه دون الاخرين او الدخول في محاور تضر بالموقف العماني وتصيب السياسة العمانية ..
فقد ظلت عمان محايدة الى حد كبير في الحرب العراقية الايرانية وفي غزو العراق للكويت وفي الموقف عن مصر بعد كامب ديفيد وفي الموقف من سوريا وعلاقتها مع ايران وفي مواقف عديدة كثيرة وصفها البعض حبا او بغضا بانها ” سويسرا ” ..
اذن تنطلق عمان من ابعاد جيوسياسية وتاريخية وجغرافية ومن رغبة في بناء عمان جديدة تكون محط انظار كثير من القوى العالمية للتعامل معها في صيغة التعاون والبناء وتعظيم الاستثمارات العالمية المشتركة والتنمية ..
عمان مسؤولة الى حد كبير على واجهة المحيط الهندي ومضيق هرمز وعن البعد الامني في التعاون الخليجي عبر مجلس التعاون وهذه الادوار هي التي تدفع عمان للاشتباك السياسي والدبلوماسي الايجابي والحميد خارج حدودها ومع عديد من الاطراف حين تثبت قدرتها على التكيف والتعامل مع اطراف عديدة حتى وان اختلفت معها في مواقف سياسية ..
الوساطة العمانية بين ايران والسعودية اعطت ثمارا فقد اصبح الموقف الايراني القوي في سوريا اكثر ليونة ازاء اطلاق المحاصرين في حمص ممن كانت تراهن عليهم السعودية وتمدهم بالعون …كما سمحت ايران ببناء حكومة لبنانية ترضى عنها السعودية في حين
مازالت صفقة انتخاب الرئيس اللبناني مؤجلة او هي على النار وقد تستبعد المرشحين المعلنين لصالح موقف سعودي وسطى .اما العراق فان الجدل دائر وقد تكون دعوة وزير الخارجية الايراني لزيارة الرياض على عجل لها علاقة بصفقة حول المالكي الذي يعتقد ان السعودية ان بقاءه لولاية جديدة سيعقد الامور كثيرا حتى على مستوى الامن السعودي نفسه مدركة ان ايران تستطيع الضغط لبناء تحالفات لا ينجح من خلالها المالكي كرئيس وزراء للعراق مجددا
وفي الموضوع السوري تدرك السعودية ان ايران تقاتل هناك بحلفائها وانها جزء اساس في معادلة الصراع على الارض السورية وانها قادرة حتى على تحييد الاسد واخراجه من السلطة بشروط تبقي نظامه ..
كانت السعودية تدرك ذلك في السنتين الاخيرتين ومن خلالها صراعها بالوكالة في اليمن وعدم قدرتها على الاختراق والاكتفاء بان تحارب القاعدة هناك وهو ماسمح به ايرانيا في حين كف الحوثيين عن ازعاج السعودية واثارة مخاوفها الى حين ..
ونعود الى الدبلوماسية والسياسة العمانية التي تلفت انتباه المراقبين في الاقليم والعالم على قدرتها على النفاذ وجمع الاشتات وبناء مواقف جديدة في سعي ناجح وموثوق لدى عديد من الدول فقد جربت الوساطة العمانية ونجحت كثيرا واكتسبت مصداقيتها لان التحرك العماني ظل دائما موضوعيا ونزيها ويستفيد من النتائج وليس منراس المال اوالدفع المسبق او محاولة التحرك للتخلص من مشاكل داخلية او تصديرها كما يحدث لكثير من الوساطات وخاصة العربية التي لم تنجح ..
لقد حافظت عمان على استقرارها وتعاملت مع كل المعطيات برصيد من الموضوعية والوعي حتى مع اعراض الربيع العربي وحصتها منه واستطاعت ان توظف استقرارها لخدمة التنمية فيها وان تواصل دورها الذي اقره تاريخها وجغرافيتها في تبديد كل الخلافات وامتصاص الاحتقانات والتوترات على مستوى الاقليم والاطراف المؤثرة فيه بفتح باب الحوار الذي ظلت تؤمن انه الطريق الاقصر والموصل لتحقيق الاستقرار..
ولان سلطنة عمان تكتسب الان منزلة خاصة لدى مختلف الاطراف سواء داخل مجلس التعاون او خارجه ولانها الاكثر استقرارا وقدرة على التحرك لخدمة الاطراف فان سعيها لا شك في هذا المجال يدعو لضرورة قراءة صورتها التاريخية وطبيعة فهمها للاسلام والعرب والمحيط ..
سلطنة عمان .. دبلوماسية الوساطة .. فائض جهد أم عنصر رئيس واساس
24
المقالة السابقة