هل هي صدفة أن تعيش العواصم العربية الثلاث في أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية في آن واحد؟ هل هي صدفة أن تعيش أكبر عواصم العرب وأقدمها وأكثرها تحضرا في حروب داخلية طاحنة من أجل السيطرة على مقاليد الحكم من قبل فرد واحد أو حزب أو مجموعة أفراد؟ هل هي صدفة أن تعيش أكبر عواصم العرب في حالة انتخابات في زمن واحد يعرف الناس نتائجها مقدما؟
في القاهرة انقلاب عسكري حدث في مطلع شهر يوليو من العام المنصرم وحصل على تأييد ومساعدة على كل الصعد من دول وجماعات ومنظمات من خارج الحدود وداخلها، قائد الانقلاب المشير السيسي رشح نفسه لرئاسة مصر وراح يخاطب الشعب المصري من غرف وقاعات أعدت لتلك المناسبة ولا يستطيع مواجهة جمهور الناخبين لظروف أمنية كما قيل. يقول مؤيدوه إنه تعرض لمحاولة اغتيال أكثر من ثلاث مرات وعلى ذلك فلابد له من احتياطات أمنية قوية كي لا يغتال. ماذا نستنتج من محاولات الاغتيال للمشير السيسي المرشح لزعامة مصر؟ نستنتج من ذلك أن الرجل غير مرغوب فيه لقيادة مصر. الأمر الثاني أنه لن يستطيع أن يبقى يدير مصر العظيمة طوال مدة حكمه من وراء الجدران وغير مقبول منه أن يرحل إلى شرم الشيخ ويدير مصر من هناك كما فعل سلفه حسني مبارك تحت حماية إسرائيلية وقوى الأمن المصرية. لكن ألم يعلن السيسي من قبل أنه لن يرشح نفسه لرئاسة مصر؟ وأنه ليس راغبا في ذلك إطلاقا. ألم يؤخذ على الإخوان المسلمين بأنهم قالوا لن ينافسوا على تسلم القيادة العليا في مصر من المجلس العسكري ثم غيروا رأيهم وفازوا بالانتخابات، واتهموا بالكذب على الشعب، فهل يمكن أن نقول ذات القول على المشير السيسي بأنه كذب على الشعب هو الآخر؟
حمدين صباحي المرشح الثاني لقيادة مصر يتهم المشير السيسي بأنه يسرق أفكاره وبرنامجه الانتخابي، حمدين صباحي على سبيل المثال قال: إنه سيعيد النظر في اتفاقية كامب ديفيد إذا انتخب للرئاسة، وبفارق زمني قصير تبنى المشير السيسي فكرة إلغاء أو تعديل اتفاقية كامب ديفيد. إذا صدقت اتهامات السيد حمدين صباحي في سرقة أفكاره ومشروعة الانتخابي فإن السيسي ليس جديرا بحكم مصر. يقول المشير السيسي إن مصر مثقلة بالديون وأنه سيعتمد على العمالة المصرية المهاجرة في تمويل الميزانية. هذه العمالة المهاجرة بدلا من أن تكرم من قبل القيادات السياسية المصرية نرى تلك القيادات أنها عازمة على فرض ضرائب على تلك العمالة من أجل تمويل الميزانية.
لم يتجرأ المشير السيسي على الإشارة لأصحاب رؤوس الأموال في الداخل بكلمة واحدة مثل السيد نجيب سويرس صاحب الاتصالات والذي عليه تراكم ضريبي يبلغ مليارات الجنيهات وكذلك أحمد عز صاحب شركة حديد عز، التي اشتراها بأبخس الأثمان من القطاع العام في عهد مبارك، نورد هذين الاسمين كمثال وليس حصرا. في تقدير الكاتب لو جمعت الضرائب من كبار تجار مصر لتم سداد ديون مصر أو على الأقل تخفيفها إلى أدنى مستوياتها. إن مصر اليوم في حاجة ماسة إلى قيادة جماعية من كل التيارات السياسية بما في ذلك الإخوان المسلمين إنها محتاجة إلى مجلس رئاسي يقود البلاد وليست مصر في حاجة إلى انتخابات نتائجها معروفة. إن انتخابات مصر تجري والمجتمع المصري يشكو من الانفلات الأمني في البلاد والسجون تعج بالمعتقلين والقضاة التابعين لجوقة الانقلاب يتسابقون في إصدار الأحكام الجائرة وغير المبررة مثل أحكام الإعدام والسجن المؤبد. إن مصر في أمس الحاجة اليوم لتحقيق العدالة الاجتماعية وإيجاد نظام ضريبي يأخذ في الاعتبار مستويات الدخل للأفراد والشركات. شعب مصر ليس في حاجة اليوم لانتخابات رئاسية، إنه محتاج إلى قيادة جماعية.
(2)
في سورية الحبيبة مظاهر انتخابية لا سابق لها وكأن البلاد في حالة أمن واستقرار وليست في حالة حرب ضروس بين الشعب السوري وبشا ر الأسد وحكومته، مسرحية انتخابية كئيبة، المؤلف والمخرج والمصور لتلك المسرحية الانتخابية هم كلهم في حالة بؤس رغم التظاهر بالنشوة بعد ما تم في مدينة حمص من خروج المقاتلين منها برعاية دولية.
طبعا الانتخابات ستجري في بعض أحياء دمشق وبعض أحياء المدن الأخرى التي يسيطر عليها الجيش السوري وأنصاره القادمان من وراء الحدود وحتما سوف يفوز بشار الأسد بأغلبية دفترية صارخة، طبعا ثلاثة أرباع الشعب السوري في الداخل والخارج لن يشاركوا في تلك الانتخابات رفضا لذلك السلوك غير الأخلاقي، بمعنى كيف تتم انتخابات والقاتل الأول للشعب السوري هو المرشح المؤكد فوزه. لقد أحسنت فرنسا صنعا عندما رفضت مشاركة أي سوري مقيم على أراضيها في هذه المسرحية الكاذبة ولعل دولا أخرى تسلك ذات الطريق الذي اعتمدته الحكومة الفرنسية.
(3)
وماذا عن العراق الجريح؟! المالكي ورهطه يصرون على البقاء في الحكم وعلى رأس هرم السلطة السياسية، نعم إنه سيفوز في الانتخابات المزورة الجارية اليوم، وسيشكل حكومة من اللصوص وفريق الاغتيالات الذين اعتمد عليهم في المرة الأولى والثانية وقد حققوا مآربهم في نهب المال العام.
حال العراق كحال سورية.. حرب طاحنة يقودها النظام ضد مناطق عراقية يسكنها مواطنون عراقيون من أهل السنة والجماعة والمالكي يشن عليهم حرب إبادة مستخدما كل الوسائل تحت ذريعة محاربة الإرهاب كما يفعل شريكه في الجرائم النظام الحاكم في دمشق.
النتيجة: ثلاثة أنظمة متشابهة ومتماثلة في القاهرة ودمشق وبغداد كلهم يحكمون بلا شرعية وطنية ويريدون الشرعية ولو بقوة السلاح، يبحثون عنها عن طريق صندوق أبو لمعة الانتخابي، وسؤالي للمالكي طاغوت العراق: هل تعلم الفرق بينك ورهطك وبين الرئيس صدام حسين في حكم العراق؟، للعلم، صدام لم ينهب ثروات العراق ولم يفرط في سيادته كما تفعلون به اليوم. كان وطنيا يحب العراق وأمته العربية أما أنتم فولاؤكم ليس للعراق ولا للعرب وإنما لفارس، صدام ترك العراق وذهب إلى جوار ربه وقد كاد يقضي على الأمية وبنى صرحا تعليميا وصناعيا لأبناء العراق وسمعة دولية، أما أنتم فتاريخكم في العراق مشين ارتفعت نسبة الأمية في عهدكم ونهبت ذاكرة العراق التاريخية وبيعت في عهدكم في الأسواق العالمية بأبخس الأثمان، والسؤال الأخير كم عراقيا من ذكر وأنثى قتل في عهدكم وكم عراقيا فارق الحياة لجريمة ارتكبها في عهد صدام حسين؟
أما حان الوقت لتخجلوا وتعتزلوا الحياة السياسية بعد كل ما فعلتم بالعراق الشقيق؟!
د.محمد صالح المسفر/انتخابات في القاهرة وبغداد ودمشق
18
المقالة السابقة