تؤكد مجريات التطورات في عواصم الربيع لعربي ان الاقتصاد الاكثر تضررا ومعناة من تونس الى سورية وما بينهما، وان ما يسمي بـ الربيع العربي تم توظيفه اسوأ توظيف، وتحول من مطالبات بالاصلاح السياسي والاقتصادي الى قتل ودمار، ونجم عن ذلك ارتفاع الديون الخارجية والداخلية وارتفاع تكاليف العيش، وتدني فرص العمل، وباستثناءات فإن القادم حتى يومنا هذا ما زال غامضا، يرافقه احباط وإنكفاء، إذ لم تفلح المنح والمساعدات الاقليمية والدولية في اقالة عثرة تلك الدول.
وبالمقارنة مع التطورات التي اجتاحت اوروبا الشرقية قبل نحو ربع قرن فان تلك الدول استطاعت خلال سنوات معدودة التعافي وتحقيق معدلات نمو اقتصادي مشهودة وارتفعت مستويات المعيشة لمستويات قاربت شرق اوروبا، وباستثناء حرب البلقان فان بقية تلك الدول اظهرت عزيمة كبيرة، ولم تشهد استقطابات كتلك التي تشهدها المنطقة العربية، والسبب في ذلك التدخل الخارجي الذي يوصف بأنه غير منصف ولايلتفت كثيرا الى مصالح شعوب المنطقة، وحالة مصر مثال بارز على ذلك حيث جرى استقطاب واستقطاب مضاد في اكبر دولة في العالم التي ساعدت الاخوان المسلمين ووقفت معهم تارة ثم سرعان ما انقلبت عليهم؛ ما عقد الاوضاع الداخلية في مصر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
الفرص الحقيقية في عواصم التحول العربي تبدأ بالالتفات الى المطالب الرئيسة للشعوب العربية التي تنطلق من الاصلاح الشامل واعتماد الديمقراطية والحرية التي تكفل العيش الكريم والتعبير عن الراي واحترام الراي الآخر، ووضع خطط تنموية حقيقية يقودها القطاع الخاص بمعزل الغطاء الحكومي الثقيل الذي عرقل نمو اقتصادات معظم دول المنطقة طوال العقود الماضية، وأسهم في تباطئها بالمقارنة مع التقدم العالمي.
اكثر من 200 شخصية، من صناع السياسات في دول المنطقة ومؤسسات تمويل اقليمية ودولية، ومسؤولين من القطاع الخاص والمجتمع المدني، يجتمعون اليوم في عمان في مؤتمر نوعي لمناقشة السياسات التي يمكن ان تفضي الى مزيد من فرص العمل وتحقيق المساواة بين ابناء دول المنطقة، ومن اهم التحديات والفرص… معالجة اربع قضايا مترابطة على وجه التحديد، وهي السياسات الاقتصادية الكلية لتحقيق الاستقرار، والنمو، والشفافية، والحوكمة، ومناخ الاعمال، وتوظيف الشباب.
مساندة جهود دول المنطقة للافلات من اتون انزلقت اليه يبدأ بعزوف دول كبرى عن التدخل السلبي، والعودة الى تقديم الدعم بعيدا عن استقطابات باتت واضحة للعيان، فالعالم اليوم بات قرية كونية، وان صراعات الدول الكبرى تترجم في عدد من العواصم العربية، وان المضى قدما في سياسات دول غربية تلفت فقط الى مصالحها بمعزل عن معاناة مريرة تدفعها شعوب المنطقة، وهنا ان احد اهم الاسباب التي تؤجج الصراعات الداخلية لدول العربية نابع من مصالح مستقبلية لاسرائيل ويمينها المتطرف.