في اللقاء الشهير الذي جمع بعض قيادات حركة حماس وحركة فتح، في غزة قبل أسبوع، لاستعادة المصالحة الفلسطينية، ثم اللقاء بين الرئيس محمود عباس، وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس قبل أيام، يعد خطوة تاريخية في مسار القضية الفلسطينية، لتلتحم كل القوى الفلسطينية للخروج باتفاق يعزز الوحدة الوطنية الفلسطينية، وينهي الخلاف والتشرذم الداخلي.
ولا شك أن المصالحة الوطنية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية يتفق عليها من كل الفصائل الفلسطينية، وفق ما يحقق المصلحة الفلسطينية العليا، وبطريقة ديمقراطية حتى لا تستغل إسرائيل الخلاف القائم، وتعمل على تأخير الحق العادل سواء بطريق الحلول السلمية أو طريق المقاومة. وقد أدرك مؤخراً المفاوض الفلسطيني منذ فترة، أن الأمر فيه الكثير من الهروب من الاستحقاقات السلمية التي تم الحديث عنها في فترة الخلاف مع حركة حماس، والصراع الذي جرى بين فتح وحماس في غزة والضفة الغربية الذي وصل إلى الاقتتال الفعلي وفك الشراكة القائمة بينهما بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية، وتسلم إسماعيل هنية رئاسة الوزراء.
حتى أن التوقعات التي أرادها المفاوض الفلسطيني في المفاوضات مع إسرائيل في السنوات الماضية قد تراجعت إلى الخلف، ولم يعد ذلك الحديث الذي تم رواجه قبل سنوات مضت، عبر وسائل الإعلام عن الدولة الفلسطينية القابلة للحياة التي قال بها جورج بوش الابن، ثم المراوغات التالية بعد وصول الرئيس أوباما للحكم، ثم إعادة انتخابه ثانية، وظهرت بوادر ذلك الوعيد، وكانت مجرد التغطية لغزو العراق، واحتلاله! فالانقسام الداخلي يحول دون تحقيق مكاسب في التحرك السياسي، وتلك قضية معروفة في السياسات الدولية، الورقة الأهم أن يحتفظ المفاوض بأوراق معينة حتى يمكن أن يساوم عليها، أما أن يرمي بكل أوراقه في سلة الوعود دون نتائج على الأرض ويقول أريد حلاً عادلا، فذلك يعد من قبيل الأحلام الوردية غير قابلة للتحقق، لا تعطي شيئاً ملموساً على الأرض، فالمفاوضات عبر التاريخ تحسمها وتقويها الأوراق الضاغطة وموازين القوى وغيرها من الأمور الدافعة في قوة المفاوض.. لو أن إسرائيل تريد حلاً صادقا وجاداً كان من مصلحتها أن تقبل القرارات الدولية منذ أكثر من ستين عاماً وما بعدها، لكنها لا تريد هذا الحل، لأنها لديها نزعة للتوسع والمساومة والمراهنة على ضعف الفلسطينيين وانقسامهم وتشرذمهم، وهذا يجعلها تمدد أكثر أو على الأقل تحييد أكبر عدد ممكن من الشعب الفلسطيني أو القبول بالأمر الواقع، لكن هذا الافتراض ليس صحيحاً، فلا يوجد في التاريخ شعب نسي أو تناسى حقه مهما اختلت موازين القوى، فستظل الحقوق عالقة في الأذهان، وجيل بعد جيل حتى تسترد الحقوق، وكان الأحرى بالشعب الإسرائيلي أن يستقرئ التاريخ ويعرف أن لا فائدة في هذا التباطؤ في عدم الحل العادل مع الشعب الفلسطيني، إن أرادوا العيش المشترك مع الشعب العربي الفلسطيني والاستقرار الدائم.
ولذلك فإن المصالحة بين فتح وحماس، هي الأمر الأهم في مسيرة القضية الفلسطينية، وهي التي ستمكن الشعب العربي الفلسطيني من تحقيق أهدافه المشروعة، سواء على المدى القصير أو المستقبل المنظور، فلا يمكن أن يتحقق السلام العادل إلا من خلال قوة المفاوض الفلسطيني ـ ومن هنا فإن الخلاف والخصام الذي تم بين فتح وحماس يفترض ألا يتم، إلا أنه، ومن خلال التجربة، فإن على الفريقين أن يقبلا المصلحة القومية والوطنية العليا على المصالح الضيقة، وعدم الانزلاق إلى المهاترات الحزبية الضيقة.. إلخ. فإسرائيل، تحاول أن تضع الأمر وكأنها مع السلطة ضد حماس، وقد استغلت بعض تصريحات المسؤولين ضد حماس وذلك لاستمرار الخلافات الفلسطينية، للهروب من الاستحقاقات السلمية التي تم الحديث عنها في فترة الخلاف مع حركة حماس.
ونرى أن تراجع الرئيس محمود عباس عما قاله في مسألة رفض الحوار مع حماس قبل سنوات، خطوة جيدة لحل الخلافات القائمة، فالبديل للتخاصم والاقتتال هو تصفية القضية برمتها مرحلياً، وإقصاء أي فصيل فلسطيني يعني إضاعة ورقة سياسية قوية في يد المفاوض الفلسطيني.. فلا بد لها من أوراق ضاغطة للتفاوض مستقبلا إن كان هناك أفق للتسوية، والمعارضة في اعتقادنا مكسب للمفاوض الفلسطيني وليس العكس. وموقف حماس السياسي الراهن يمكن أن يكون قوة للمفاوض الفلسطيني، إذا أرادت القوى الدولية أن تساند الرئيس محمود عباس وتحقق له الدولة الفلسطينية المستقلة ـ كما يقولون ـ وليس مجرد كلام للاستهلاك أمام المحطات الفضائية والمقابلات والابتسامات والتصريحات كما فعلها الرئيس بوش سابقا، وأخل بوعد في إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة في عام 2005، ثم ظهرت مؤخرا النغمة الجديدة لتبادل الأراضي، وهي خطوة لإطالة وإدامة الاحتلال، والاستمرار في إقامة المستوطنات وغيرها من المشاريع الاستعمارية.
والواقع أن المراهنة على الحل العادل في ظل الانقسام الفلسطيني مسألة غير واردة، فلا يمكن أن يحقق المفاوض الفلسطيني نجاحاً مأمولاً في ظل الشرخ القائم بين القوى الفلسطينية المنقسمة على نفسها، فالورقة الأهم أن يحتفظ المفاوض بأوراق معينة حتى يمكن أن يساوم عليها، أما أن يرمي بكل أوراقه في سلة الوعود دون نتائج على الأرض ويقول أريد حلاً عادلا، فذلك يعد من قبيل الأحلام الوردية غير قابلة التحقق، لا تعطي شيئاً ملموساً على الأرض، فالمفاوضات عبر التاريخ تحسمها وتقويها الأوراق الضاغطة وموازين القوى وغيرها من الأمور الدافعة في قوة المفاوض.
ولذلك فإن المصالحة بين فتح وحماس هي الأمر الأهم في مسيرة القضية الفلسطينية، وهي التي ستمكن المفاوض من تمرير استحقاقات السلام المنشودة، سواء على المدى القصير أو المستقبل المنظور إذ لا يمكن أن يتحقق السلام العادل إلا من خلال قوة المفاوض الفلسطيني ـ ومن هنا فإن الخلاف والخصام الذي تم بين فتح وحماس يفترض ألا يتم إلا أنه ومن خلال التجربة فإن على الفريقين أن يقبلا المصلحة القومية والوطنية على المصالح الذاتية والإيديولوجية، فلا يمكن أن يحقق المفاوض الفلسطيني نجاحاً مأمولاً في ظل الشرخ القائم بين القوى الفلسطينية المنقسمة على نفسها، وهذا ما يجب الإسراع في إنهائه بعد صمود الفلسطينيين في السنوات الماضية التي تلت الحرب على غزة، والقمع والاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشريف.
والحل الذي سيعطي الفلسطينيين القوة والصمود والأوراق الرابحة، هو اتحاد كلمتهم، وترتيب خطواتهم، وليعرفوا جيدا أن تناقضاتهم لن تجعلهم أقوى سواء بالمفاوضات، أو بأي طرق لاستعادة الحق الفلسطيني المسلوب.