تشهد المنطقة العربية على مدار الساعة عمليات إرهابية في دول عدة .. في مصر .. وليبيا .. وسوريا .. واليمن .. وتونس .. والعراق أول هذه الدول بكل تأكيد .. فلا يخلو يوم دون أن تشهد دولة أو دولتان أو أكثر عملية إرهابية تستهدف عسكريين ورجال أمن في المقام الأول، وفي بعض الأحيان يسقط مدنيون ضحايا في تلك العمليات .. التنظيمات والجماعات الإرهابية في المنطقة العربية كثيرة ومتعددة ومتشعبة وإن اختلفت مسمياتها لكنها تمارس نفس العنف بنفس الأسلوب .. انتحاري يفجر نفسه أمام هدف معين .. سيارة مفخخة تنفجر لتخلف ضحايا .. عبوة ناسفة في مكان محدد تؤدي إلى انفجار هائل فتصيب ما تصيب!!
والملاحظ أن معظم الجماعات الإرهابية تنضوي تحت لواء تنظيم القاعدة الذي يتزعمه المصري أيمن الظواهري الذي تولى زعامة هذا التنظيم بعد مقتل أسامة بن لادن قبل ثلاث سنوات .. فهذا التنظيم متواجد في اليمن والعراق وليبيا وسوريا ومصر تحت مسميات مختلفة .. ففي مصر توجد جماعة “أنصار بيت المقدس” وهي جماعة منبثقة عن تنظيم القاعدة وتأتمر بأوامره .. وهي التي تقوم بأغلب العمليات الإرهابية في مصر، سواء في سيناء أو في القاهرة أو في محافظات أخرى حيث تستهدف تلك الجماعة رجال الجيش والشرطة والمنشآت العسكرية والشرطية بشكل شبه متواصل من خلال عملية انتحارية أو زرع قنبلة!!
لقد أعلنت جماعة “أنصار بيت المقدس” مسؤوليتها عن التفجيرات الإرهابية التي شهدتها مصر يوم الجمعة الماضي وأسفرت عن 4 قتلى و12 مصابا في جنوب سيناء وضاحية مصر الجديدة بالقاهرة، وقالت في حساب لها على موقع تويتر “بدأنا الجحيم الذي دعونا له وجعلنا أجسادهم أشلاء” .. وقد تزامنت تلك العمليات الإرهابية مع اجتماع عقده أيمن الظواهري زعيم “القاعدة” مع ممثلي التنظيم في عدد من دول المنطقة انتهى بتكليفهم بتنفيذ عمليات نوعية في مصر تحت مسمى “تحرير المسلمين” تستهدف المنشآت العسكرية والخدمية مثل شبكة مترو الأنفاق والدينية كالكنائس واستهداف عدد من السفارات واختطاف دبلوماسيين مقيمين في مصر وذلك لعرقلة المرحلة الثانية من خارطة الطريق وإفساد الانتخابات الرئاسية المقررة يومي الـ26 و27 من مايو الحالي!!
وأشارت تقارير إلى أن الظواهري يسعى خلال الفترة الحالية لدعم الجماعات الإرهابية في سيناء عن طريق عناصر في السودان وليبيا واليمن إضافة لتشكيل خلايا مصغرة من عناصر تونسية وليبية لتنفيذ العمليات الإرهابية .. وقد أرسل الظواهري أحد العناصر التابعة للتنظيم إلى ليبيا ويدعى ربيع زيدان الذي شارك في مواجهات العنف في سوريا وأنه التقى مجموعات جهادية في الأراضي الليبية ودعاهم للاشتراك في مواجهة “أهل الكفر في مصر” حسب تعبيره كما كلف تنظيم القاعدة زياد الغالي إحدى الشخصيات المنتمية للتنظيم في ليبيا لدعم وتدريب الوافدين الجدد على تنفيذ العمليات الإرهابية سواء داخل ليبيا أو في مصر!!
أما فيما يتعلق بسوريا فطالب أيمن الظواهري “جبهة النصرة” ذراع التنظيم في سوريا بوقف المعارك القتالية ضد الجماعات الجهادية الأخرى فيما طالب “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” المعروف باسم “داعش” بتركيز نشاطه في العراق فقط .. وقال الظواهري في تسجيل صوتي جديد “إلى زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني, وكل جنود الجبهة الكرام عليكم أن تتوقفوا فورا عن أي قتال فيه عدوان على أنفس وحرمات إخوانكم المجاهدين وسائر المسلمين وأن تتفرغوا لقتال أعداء الإسلام من البعثيين والنصيريين وحلفائهم من الروافض” .. كما وجه الظواهري حديثه إلى زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي قائلا له “أطالبكم بالتفرغ للعراق الجريح الذي يحتاج أضعاف جهودكم فلتتفرغوا له حتى وإن رأيتم أنفسكم مظلومين أو منتقصا من حقكم .. يجب أن توقفوا هذه المجزرة الدامية بينكم وبين إخوانكم المجاهدين وتتفرغوا لأعداء الإسلام والسنة في عراق الجهاد والرباط”!!
إذن، من الواضح أن تنظيم القاعدة له حضور ودور مؤثر في كل ما يجري من عمليات إرهابية في المنطقة العربية، سواء داخل مصر أو اليمن وفي ليبيا أو سوريا وفي العراق .. ما يعني أن هذا التنظيم شهد تحولا جذريا في عملياته التي كانت تستهدف في السابق أهدافا ودولا غربية بينما باتت في الوقت الحالي تقتصر على الدول العربية فيما يهنأ الغرب الآن بالأمن والأمان حيث لم نعد نسمع عن عمليات إرهابية تستهدف الولايات المتحدة أو دولا أوروبية أخرى كانت ذات يوم هدفا لتنظيم القاعدة .. وقد طرأ هذا التحول أو بمعنى أدق قد بدأ بعد سقوط بغداد العام 2003 حيث وجد تنظيم القاعدة في العراق أرضا خصبة لعملياته إلى أن زادت وتوسعت بعد اندلاع ما يسمى بثورات الربيع العربي!!
ويبدو أن الغرب يكرر نفس أخطائه التي ارتكبها في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي حينما كان يدعم تنظيم القاعدة في أفغانستان لمحاربة السوفيت وعندما أصبح هذا التنظيم قويا انقلب على من كانوا يدعمونه وشن هجمات 11 سبتمبر التي هزت العالم من أقصاه إلى أقصاه .. واليوم بدأت واشنطن تخشى من تزايد أعداد المقاتلين الأجانب الذين يشاركون في القتال الدائر في سوريا حاليا، وهو ما ألمح به جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي “أف بي آي”، حيث قارن كومي النزاع في سوريا بالحرب في افغانستان في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي عندما شكل المجاهدون بعد ذلك تنظيم القاعدة الذي أعلن الحرب على أميركا فيما بعد، وأشار بقوله “كلنا يتذكر الخط الذي سارت عليه الأمور في أفغانستان من الثمانينيات والتسعينيات إلى الـ11 من سبتمبر 2001 ونلاحظ النمط نفسه في سوريا لكن بشكل أسوأ بكثير” .. فهل تكتفي الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون بالقلق من تزايد المقاتلين الأجانب، سواء في سوريا أو العراق واليمن ومصر إلى أن ينقلب السحر على الساحر ويكتوي الغرب مرة أخرى بنار الإرهاب؟!