أذكر عندما فاز «بل كلينتون» بالانتخابات الرئاسية على منافسه «جورج بوش الأب» كانت القنوات الإخبارية تستضيف عينات عشوائية من الجمهور فى الشارع وتسألهم عن مرشحهم الرئاسى.. وكان الجمهور يجيب بكل بساطة وبابتسامة عادية وطبيعية ومريحة سواء من كان يدعم هذا أو من كان يدعم ذاك.
أذكر عندما سألها المذيع عن مرشحها الرئاسى وهى تحمل طفلها فابتسمت وقالت بالطبع كنت أتمنى فوز «جورج» ولكنى أثق أنه سيعود يوما ما.. ثم ابتسمت وداعبت الكاميرا وجعلت صغيرها يلوح للجمهور، هذا هو السلوك الديمقراطى الذى تخيلنا أننا سنراه فى مصر عندما تحدث ثورة وعندما يتغير نظام الحكم إلى صندوق الانتخابات، ولكن للأسف بعد نتيجة انتخابات 2012 الرئاسية لم يذكرنى بما حدث فى أمريكا وإنما ذكّرنى بما حدث فى لبنان وفى السودان وفى الجزائر، وفى كل الدول التى تعتمد فى دعاياتها الانتخابية على الفكر الدينى والعرقى والطائفى.
إن استخدام الدين فى الدعاية الانتخابية سيحول المواطن «الناخب» إلى مجاهد فى سبيل الله وسيحول العملية الانتخابية إلى نزاع دينى عنصرى طائفى وسيحول الخلاف السياسى فى وجهات النظر إلى مناقشات دينية ليس لها أى علاقة بالموضوع أصل النقاش وهذا- للأسف- ما مرت به مصر فى فترة حكم الإخوان.. جماعة الإخوان المسلمين، التى صنفتها الدولة جماعة إرهابية، نجحت فى تحويل الصراع السياسى إلى صراع دينى ونجحت- بغرابة- فى وصم كل من يعارضونها بأنهم أعداء للدين وأعداء للإسلام.
وأطلقت إعلامها البديل «مواقع التواصل الاجتماعى» ليشوّه كل من يتجرأون على معارضة سياساتهم أو ينتقدها.. هذا التشويه لم يطل المعارضين فى ثقافتهم أو صدق نيتهم أو نبلهم، وإنما للأسف كان الطريق الأسهل هو أن يتم تشويههم فى دينهم فظهرتْ النعرات الدينية التكفيرية الزائفة وبدأت صباغة كل القرارات بالصبغة الدينية فحار الناس وبدأتْ البَلْبَلَة واختلف الناس على أمور دينهم وزادت موجات التكفير والعداء المجتمعى الداخلى، وعندما ثار الناس على نظام الإخوان وانحازت القوات المسلحة إلى الشعب المصرى- كما انحازت له من قبل فى 25 يناير ضد نظام مبارك- رحل نظام الإخوان.. ولكن ظلت النعرات التعصبية «المفرطة والمبالغ فيها» موجودة تجاه المرشحين الرئاسيين.
أذكر فى أيام «مبارك» لم يكن التعصب للحاكم جزءا من الفكر المصرى إلا فيما يخص المنتفعين والمستفيدين المقربين من الحاكم، أما الآن فالتعصب هو السمة السائدة.. والشعب المصرى- للأسف- أصبح يتعامل مع المرشح الرئاسى الذى يدعمه، وكأنه إله لا يجب التعرض له ولا المساس ببرنامجه الانتخابى.. وهذا فى- تقديرى- ما خلّفه لنا حكم جماعة الإخوان التى استخدمت الدعاية الدينية- بإفراط- للوصول إلى الحكم، لقد أسرف الناس فى تعصبهم وبدأوا فى الانحياز للمرشحين بدون دراسة برامجهم ولا فهم توجهاتهم.
لقد أثبت الشعب المصرى، أنه شعب عاطفى جدا، وأن الطريق للسيطرة عليه لا تكون إلا بالعواطف والمشاعر والألفاظ الأنيقة.. حتى ولو كانت هذه الألفاظ الأنيقة براقة ووهمية وغير حقيقية.
نسأل الله أن يعود الشعب المصرى لوعيه ورصانته مرة أخرى.. وأن يكون اختيار الحاكم فى صندوق الانتخاب بناءً على وعى وتقدير ودراسة لبرنامج وتاريخ المرشح.. وأن يتحرر من نعرات التعصب الأعمى غير المبرر لمرشح دون الآخر.. اللهم ولّ على مصر من يصونها ويصلح أمورها ويعبر بها هذه المرحلة الخطرة فى أمن ورخاء.
هشام الجخ/الإخوان.. رحلوا وتركوا لنا شيئا
14
المقالة السابقة