ربما تفكر الحكومة، ورئيسها د. عبدالله النسور، أن استعادة جزء من شركة الفوسفات سيُسجِل لها منجزاً وطنياً يعبر عن استجابة حقيقية لمطالب الحراك الذي نادى باستعادة أصول الدولة التي بيعت في زمن من الفوضى وغياب المعايير.
اليوم، تمضي الحكومة في مساعيها لشراء حصة حكومة سلطنة بروناي في “الفوسفات”، إنما ليس من حرّ مالها كما يقال، فهي لا تملكه، ولكن من خلال استخدام أموال مؤسسة الضمان الاجتماعي؛ برضا المؤسسة أو رغما عنها، لا فرق؛ فالنتيجة واحدة، وهي خسائر جديدة، واستثمارات غير مدروسة.
الحكومة تعاند. فالرأي المتحفِظ على الصفقة، خرج منذ زمن محذّرا من تبعاتها، كونها ستكبّد “الضمان” كلفاً كبيرة. ومن ثم، ليس من جديد، لأن ما يرشح من معلومات يؤكد أن الحكومة تسعى للشراء من خلال صندوق استثمار أموال الضمان، ربما بشراكة مع جهة أجنبية استثمارية، تعمل حاليا في قطاع التعدين.
حكومة بروناي ليست متحفزة للبيع، بعكس ما يشاع، وهذه إحدى المشاكل التي تواجه الحكومة. ولذلك، ربما يربط البعض بين إتمام صفقة الشراء، وبين إتمام التسوية المالية المقترحة مع رئيس مجلس إدارة الشركة السابق وليد الكردي، بحكم علاقته الطيبة مع حكومة بروناي.
المغزى من طرح الموضوع في هذا الوقت مجددا، هو التأكيد على أن الصفقة ليست في صالح “الضمان” حالياً، ضمن السعر المطروح. إذ يشاع أن قيمة الأسهم التي تملكها حكومة بروناي تدور في فلك 80 مليون دينار، فيما الحديث عن مبلغ يتراوح بين 350 و400 مليون دينار، تدفعه “الضمان” مع الشريك الجديد الذي تسعى الحكومة لإقناعه بدخول الصفقة.
الخطير في القضية هو تلك العقلية الحكومية السائدة، والتي تظن أن مدخرات “الضمان” ملكيتها، أو تقع تحت تصرفها، وأن من حقّها بالتالي التحكم بها وتوجيهها كيفما شاءت.
هذه العقلية العرفية التي سكنت تاريخيا بين الحكومات والمسؤولين، لم تقدر على تعديلها كل عوامل التغيير التي طرأت خلال السنوات الماضية؛ بل ربما طغت أكثر عقب النتائج القاسية للربيع العربي، والدماء التي سالت منه، لتُتخَذ ذرائع من قبل الحكومات للسطو على أموال “الضمان”.
الاستخفاف بالناس وحقوقهم، وغياب الحاكمية والشفافية، كانا أوسع السبل للفشل التنموي. هذا ما حدث لدينا بالضبط. وليس أدل على ذلك من غياب النتائج المالية لصندوق استثمار أموال الضمان مدة عامين، من دون أن يعلم الناس ما إذا كانت استثماراتهم قد تحسنت أم تراجعت؛ زادت أم نقصت! إذ لم تكلّف إدارات “الصندوق” المتتابعة نفسها عناء إخبار الناس عما آلت إليه “تحويشة عمرهم” خلال 28 شهرا.
مليارات الدنانير تتبع للصندوق، لا نعلم عنها شيئا منذ أكثر من عامين. ومنذ نشأته في العام 2003، حقق “الصندوق” نتائج مالية جيدة؛ إذ بلغ العائد على معدل الموجودات حوالي 11 % سنويا، ما يعد من أفضل العوائد المتحققة مقارنة مع الصناديق الاستثمارية الأخرى والمؤسسات المالية والمصرفية؛ فنمت موجودات الصندوق من 1600 مليون دينار في 1/ 1/ 2003، لتصل إلى 5180.5 مليون دينار في 31/ 12/ 2011.
مسؤول في “الصندوق” يؤكد أنه سيتم إصدار الميزانيتين المتأخرتين (للعامين 2012 و2013) خلال الشهر الحالي، علما أن الإدارة الحالية للصندوق، ممثلة برئيسه سليمان الحافظ، تولّت مهامها في مطلع 2014، ولم تكن الميزانيات مصدّرة، ورغم ذلك يستغرقها الإعلان عن هذه الميزانيات المتأخرة بضعة أشهر.
إعادة شراء ما بيع، وعدم الإعلان عن الصفقات إلا بعد الانتهاء منها، ووضعها في أطر من السرّية؛ كما التأخر في الإفصاح عن النتائج المالية لصندوق استثمار أموال الضمان، كلها تعكس أمرا واحدا، هو استمرار الاعتقاد الرسمي بأن من حق المسؤولين التصرّف بأموال الناس حتى دون سؤالهم.
جمانة غنيمات/”الضمان”: من قال إنها أموالكم؟!
14
المقالة السابقة