(1)
في خضم الأحداث التي تعصف بالعالم العربي اليوم غابت القضية الفلسطينية عن واجهة الأخبار العالمية والعربية وبالكاد تقرأ أو تسمع أو تشاهد خبرا عن فلسطين وهي أم المسائل والأزمات العربية والدولية، إننا لم نعد نسمع عن فلسطين إلا أن وزير خارجية أمريكا التقى بالسيد محمود عباس، وكذلك نتنياهو والحديث يدور حول العودة أو التمديد لزمن المفاوضات بين أركان السلطة الفلسطينية من جهة والسلطات الإسرائيلية من جهة أخرى، لم نسمع إلا غارة إسرائيلية على شمال أو جنوب قطاع غزة، أو انتهاك المستوطنين للمسجد الأقصى تحت حماية الشرطة الإسرائيلية وأخيرا سمعنا عن لقاء تصالحي في غزة بين قيادات حمساوية وفتحاوية وكانت ردة الفعل الأمريكي والإسرائيلي رفض ذلك الاتفاق إلا بشروطهم الاستسلامية من قبل حركة حماس.
لقد رحبت معظم الدول العربية إن لم يكن كلها بالاتفاق بين حماس وفتح الذي تم في غزة نهاية الأسبوع الماضي، لكن الترحيب العربي بذلك الاتفاق لا يكفي، أنه يقتضي أولا أن يلتزم الرئيس عباس بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل حتى يتحقق للشعب الفلسطيني حقه المشروع في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها مدينة القدس، ثانيا: أن تدعم القيادات العربية ذلك الصلح وأن تمارس ضغوطها السياسية والاقتصادية على الدول الغربية وأمريكا حتى تقبل تلك الدول بما توصلت إليه القيادات الفلسطينية. يجب على القيادات العربية بكل توجهاتها أن لا تترك الشعب الفلسطيني وحيدا يصارع القوى الصهيونية وحلفاءها، ولقد حان الوقت لرفع الحصار العربي عن قطاع غزة وإذا اعترضت إسرائيل وأمريكا على ما تم الاتفاق عليه فيجب عودة نظام المقاطعة الاقتصادية بكل درجاتها على الكيان الإسرائيلي. نعم العواصم العربية تمر بمرحلة صعبة فالحكومات العربية تواجه مطالب شعوبها نحو الإصلاح بكل معانية، وأهم نقاط الإصلاح تكون في استقلالية القضاء ونزاهته، والحق في مشاركة الشعب في صناعة القرار السياسي واختيار ممثليه أمام الحكومة (أي تشكيل برلمان منتخب) وحرية الرأي والمحافظة على المال العام وطرق إنفاقه إلى جانب أمور أخرى.
(2)
في أجواء انحسار المسألة الفلسطينية في وسائل الإعلام، وعشية إعلان المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام عقد ” منتدى فلسطين الدولي للإعلام والاتصال ” في اسطنبول شارك فيه العديد من المهتمين بالشأن الفلسطيني من العرب والأفارقة وأوروبيين وأمريكان وأتراك وروس وقدر لي المشاركة في أعمال ذلك المنتدى. في ذلك الملتقي دارت مناقشات جادة في الشأن الفلسطيني ودور الإعلام العربي الذي أجمع الكثير من المشاركين بانحسار دوره عن الشأن الفلسطيني وانشغاله بأوضاع دول الربيع العربي الذي اجتاح معظم الدول العربية. وفي نهاية أعمال المؤتمر شمل بيانه الختامي على العديد من التوصيات والمقترحات اذكر بعضا منها على سبيل المثال: أعلن المؤتمرون في بيانهم تقديرهم العالي للتضحيات التي يبذلها الصحفيون والإعلاميون في فلسطين معلنين تضامن الكل مع هؤلاء الصحفيين، وفي ذات الوقت يدينون الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق وسائل الإعلام الفلسطينية والإعلاميين العاملين على أرض فلسطين المحتلة كما أن المؤتمر يشدد على أهمية وضع الخطط والبرامج الإعلامية بأدواتها المختلفة في مواجهة حملات التشويه والتحريض التي تستهدف الشعب الفلسطيني. وراح البيان الختامي يناشد وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة والإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي بالاهتمام بالتغطية النوعية للحدث الفلسطيني ومواكبة تطوراته والتناول العميق للقضية الفلسطينية بشتى شؤنها وأبعادها.
(3)
إلى جانب أعمال المؤتمر جرت بين الكاتب وجمهرة من المشاركين حوارات تدور كلها حول مجلس التعاون الخليجي والخلافات البينية التي أدت إلى استدعاء سفراء ثلاث دول خليجية من قطر احتجاجا على السياسة الخارجية والإعلامية لدولة قطر، وراح الكل يتحدث عن التنازلات التي قدمتها القيادة السياسية القطرية للدول التي استدعت سفراءها من الدوحة ويتساءلون عن نتائج مؤتمر الرياض الذي انعقد في قاعدة جوية عسكرية وليس في مقر الأمانة العامة للمجلس أو مقر وزارة خارجية الدولة المضيفة.
كان رد الكاتب على بعض ما أثير من تساؤلات كما يلي:
أولا: فالرأي عندي أن استدعاء / سحب السفراء من الدوحة كان خطأ سياسيا كبيرا فالخلافات البينية مرت بمواقف أصعب مما يقال اليوم ولم يتم سحب السفراء، وفي تقديري فإن اجتماع القاعدة العسكرية لوزراء خارجية دول المجلس ما هو إلا محاولة لرد ماء الوجه. بدليل كما تقول أوثق المصادر أن اجتماع القاعدة العسكرية لم يناقش القضايا التي كانت محور خلاف وأن لكل دولة من دول المجلس أن تمارس حقها السيادي طالما لا تؤدي تلك الممارسات إلى الإخلال بسيادة الدول الأعضاء في المجلس. كان البعض يجادل بان قطر قد خضعت لكل الإملاءات من الدول الثلاث (السعودية، أبو ظبي، البحرين) وأن قطر أمرت بترحيل القرضاوي من الدوحة استجابة لتلك المطالب، وأنها رحلت كل المصريين المتهمين بأنهم من الإخوان المسلمين، وأغلقت مراكز الأبحاث المهمة في قطر استجابة لطلب تلك الدول وأنها غيرت الاتجاه التحريري لمحطة الجزيرة كي لا تتحدث عن الانقلاب في مصر ولا تناقش شؤون مصر على شاشة الجزيرة ولو كانوا المتحاورين مصريين. قلت لكل الذين تجمعوا حولي: لحد علمي لم يحدث ترحيل أحد من قطر طبقا لطلب أي دولة من الدول، والقرضاوي مواطن قطري منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي ولا يمكن لدولة تحترم نفسها وسيادتها أن ترحل مواطن من مواطنيها تحت أي ذريعة، أما خطبة الجمعة فالرجل كان يخطب وهو جالس على كرسي، والشيخ القرضاوي كبر سنه فلعله لا يستطيع الحديث بصوت عال ولفترة طويلة فلعله اعتذر عن أداء خطبة الجمعة لإمام غيره وغيابه هذا في تقديري لأسباب صحية ولا غير.
إني استطيع القول إن السياسية الخارجية والسياسة الإعلامية لدولة قطر لم تتغير ولن تتغير إلا عندما تقتضي مصالح الدولة القطرية ذلك التغيير،
(4)
تغير اتجاه بعض المشتركين في هذا الحوار وتوجهوا نحو الحوثيين في اليمن وقال محدثي أن قطر تدعم الحوثيين ضد النظام وهي تسلحهم وتزودهم بالمال والسلاح. كان ردي، قطر قدمت لحكومة الرئيس عبد ربه منصور أكثر من 300 مليون دولار مساعدة فكيف تساعد الحوثيين الشيعة الذين هم في مواجهة مع النظام في صنعاء؟ وأن الحوثيين يعادون حزب الإصلاح السني وقطر متهمة بأنها تؤيد حزب الإصلاح في اليمن فما هذا التناقض في الأقوال والتهم. تأكدوا جميعا بان دولة قطر تقف مع الشرعية في كل قطر عربي أنها مع من يرتضيه ألشعب ولا غير. وانفض اجتماعنا وما برح للحوار صلة.
آخر القول: الإشاعات وتزوير المعلومات تشبه الحرب المسلحة، وعلينا جميعا التصدي لحرب الإشاعات وتزوير المعلومات بكل الوسائل في كل دولنا العربية.
د.محمد صالح المسفر/حوارات سياسية في أسطنبول
14
المقالة السابقة