عروبة الإخباري – شن القيادي ‘المفصول’ من جماعة الاخوان المسلمين الدكتور ارحيل غرايبة هجوما قاسيا على قيادات الحركة الاسلامية في الاردن،والتي باتت تسيطر على صنع القرار،واصفا انها تتبع منهج تكفير الدولة،وإقصاء التيار الوطني من الجماعة واتهامهم بانهم مخابرات وعملاء للنظام .
وأضاف د. غرايبة في مقال له نشر بيومية الدستور الاربعاء بعنوان ‘ حقيقة الاختلاف وجوهره’: ان ‘ تصوير الخلاف على أنه لا يعدو خلافاً إدارياً، ومسألة إجرائية تنظيمية بحتة، يُعدُّ من قبيل تسطيح الأمور وتبرير الأخطاء الفاحشة والخطايا البشعة’.
وتابع :’ هناك عقلية لدى بعض أعضاء الفريق القيادي المؤثر في الجماعة لا تؤمن بمنهجية البناء والمشاركة والانفتاح على مكونات المجتمع، وتتبنى فكرة تكفير الأنظمة والمجتمعات، وتستخدم مصطلح (جاهلية المجتمعات)، بمعنى أننا لا نعيش في «دار اسلام» لأن الدار تأخذ مسمَّاها من «نظام الحكم»، وهذا مكتوب ومدوّن يمكن الرجوع اليه’.
واشار الى مدرسة إخوانية حكمت مسيرة الجماعة لمدة عقود، منذ أوائل السبعينيات إلى أوائل التسعينيات،استطاعت أن تحوّل مفهوم «العزلة الشعورية» عند سيد قطب إلى عزلة مادية حقيقية، تمتهن التقيّة والتكتيك، والخطاب المزدوج، عادت إلى سدة القيادة مرة أخرى عبر تحالفات جديدة،هذه المدرسة التي جاءت في أصعب الأوقات وأكثرها حرجاً، لم تستطع أن تطور خطاب الجماعة، وعجزت عن إيجاد انفتاح حقيقي على المجتمع، ما كرس الفشل المحتم في استثمار الربيع العربي، والخروج بخسائر واسعة وكبيرة.
وتاليا نص المقال :
بعد أن أصبحت قرارات الفصل المتعلقة بمجموعة «زمزم» تتصدر الصفحات الأولى للصحف الرئيسة، وبتسريب متعمَّد من أعلى المصادر القيادية في الجماعة، عبر منهجية مقصودة منذ اللحظات الأولى في التعامل مع هذا الملف، فقد غدت القضية مسألة وطنية عامة في متناول الوسط الإعلامي على اختلاف مشاربه، وعلى اختلاف درجات الاهتمام والمتابعة، ما يجعل هذا الملف عرضة للتحليل والتفسير، والإضافة والحذف، من قبل المؤيدين والمعارضين والشامتين والمشفقين والمحايدين، وكل ذلك بفعل فاعل وليس بقرار، وإنما بفعل من امتهن التسريب الإعلامي منذ مجيئه إلى سدة القيادة وحلبة الأضواء، حيث يتم توجيه الصف وما حوله من خلال الإعلام، وتتم صناعة الرأي العام، والتبعية والتجييش ضد المخالفين من اخوانهم.
تصوير الخلاف على أنه لا يعدو خلافاً إدارياً، ومسألة إجرائية تنظيمية بحتة، يُعدُّ من قبيل تسطيح الأمور وتبرير الأخطاء الفاحشة والخطايا البشعة، التي تقترب من جريمة التضليل والتعميه بحق قواعد الجماعة ومؤيديها، وبحق الجماهير الأردنية التي تملك حق معرفة الحقيقة والاطلاع على جوهر الاختلاف الدائر في أروقة قوة سياسية تعد نفسها لاستلام الحكومة وإدارة الشأن العام والتأثير بمصائر الناس.
الاختلاف الذي مضى على تجذره في الجماعة ومؤسساتها عدة عقود من الزمن، وتوارثته الأجيال كابراً عن كابر، وتكونت مدارس واتجاهات، وحمائم وصقور ووسط ذهبي وفضي، والاتجاه الخامس، وأنصار الجهاد والمقاومة، فهل كل ذلك عبارة عن اختلافات إدارية وإجراءات تنظيمية، ومسألة عابرة، واختلافات شخصية فقط، فهذا لا يجوز في عرف العقلاء.
شرح الاختلاف يحتاج صفحات طويلة، ولكن ما ينبغي معرفته على وجه مختصر للباحثين عن الحقيقة يتمثل بعدة أمور :
الأمر الأول:
ينبثق من وجود عقلية لدى بعض أعضاء الفريق القيادي المؤثر في الجماعة لا تؤمن بمنهجية البناء والمشاركة والانفتاح على مكونات المجتمع، وتتبنى فكرة تكفير الأنظمة والمجتمعات، وتستخدم مصطلح (جاهلية المجتمعات)، بمعنى أننا لا نعيش في «دار اسلام» لأن الدار تأخذ مسمَّاها من «نظام الحكم»، وهذا مكتوب ومدوّن يمكن الرجوع اليه، وبناءً على ذلك صدرت كتب تحرّم المشاركة في الأنظمة التي لا تحكم بما أنزل الله، وهذا يمثل إطاراً فكرياً وعقدياً لمدرسة إخوانية حكمت مسيرة الجماعة لمدة عقود، منذ أوائل السبعينيات إلى أوائل التسعينيات، والتي استطاعت أن تحوّل مفهوم «العزلة الشعورية» عند سيد قطب إلى عزلة مادية حقيقية، تمتهن التقيّة والتكتيك، والخطاب المزدوج، الذي أصبح مكشوفاً إلى تحويل الجماعة إلى طائفة مغلقة، مختلفة عن أوضاع الجماعة في مختلف الأقطار العربية والاسلامية.
هذه المدرسة التي ازدهرت في العقود السابقة، عادت إلى سدة القيادة مرة أخرى عبر تحالفات جديدة، وتكتيكات مختلفة، وخطاب يحاول إخفاء بعض المصطلحات الحادة، ويعود الفضل في تخفيف هذه الحدَّة إلى مدرسة حماس التي استطاعت ضم كل هذه الأصناف المتنافرة عبر نصرة مشروع المقاومة.
هذه المدرسة التي جاءت في أصعب الأوقات وأكثرها حرجاً، لم تستطع أن تطور خطاب الجماعة، وعجزت عن إيجاد انفتاح حقيقي على المجتمع، وعجزت أن تُوجد الأطر العملية الواسعة القادرة على استيعاب القوى السياسية المختلفة والاتجاهات الفكرية والدينية والمذهبية التي يتشكل منها المجتمع بشكل حتمي، لأن المرحلة تفرض الانتقال من خطاب الدعوة إلى خطاب الدولة، ومن عقلية الحزب والطائفة إلى عقلية إدارة المجتمع والدولة بشكل شامل؛ ما كرس الفشل المحتم في استثمار الربيع العربي، والخروج بخسائر واسعة وكبيرة.
الاختلاف الثاني
كان نتيجة عدم القدرة على مواجهة التحدي الديموغرافي، إذ أن زعماء هذا التيار أو هذه المدرسة انحازوا -بشكل مطلق- إلى خطاب أحد المكونات، ولم يستطيعوا كسب ود الآخرين، بل أصبحت التهمة تطلق بالجملة على أصحاب الخطاب الوطني بأنهم مخابرات وعملاء للنظام، وتمّ بشكل ممنهج وواضح تصفية العناصر الوطنية وتشويهها، واتقان فن الاغتيال الاجتماعي، والاستثمار غير المشروع في الفطرة الدينية والانتماء العاطفي، والاختباء خلف خطاب عام يرتكز على الشعارات العامة، والاستغراق في النقد وإيجاد الانطباعات وإثارة المشاعر، بعيداً عن منهجية البرامج وصناعة البدائل العملية القادرة على اكتساب ثقة المواطنين، ما أدى بهذا الفريق إلى تكريس العجز عن قيادة مركب الوحدة الوطنية بكفاءة، والاستسلام لخطاب الترضية واللعب على الغرائز هروباً من خطاب الانجاز الواقعي الملموس، ومنهج المراقبة والمحاسبة العلمية الشفافة.
ما يقوله الصديق (ياسر الزعاترة): إن المسألة لا تتعدى كونها خلافاً شخصياً، أعتقد أنه جانب الصواب، لأن الأخ ياسر يعلم تماماً أن الخلاف أكثر عمقاً، وليس هناك بيننا وبين المراقب العام وفريقه نسب ولا صهر، ولا تجارة ولا مشاريع مالية مشتركة، ولا جوار في الأرض والعقار، إنما الخلاف حول قدرة هذا الفريق من حيث العقلية والمنهجية والتكوين الفكري، الذي يجعله عاجزاً عن فك الحصار المفروض حول الجماعة، وأنهم كانوا سبباً بتشكل مآلات خطرة على الجماعة ومستقبلها، فضلاً عن العجز المطلق على حمل المشروع الوطني، إذ أن حمل المشروع الوطني لا يتأتى من خلال مظاهرة أو رفع شعار في لحظة انسياق وراء الجماهير، بل يتأتى حمل المشروع من خلال الانخراط الكلي في برنامج بناء الدولة بمشاركة شعبية واسعة يبنى فيها العقل والعاطفة والولاء والانتماء للتراب الوطني للأجيال الحاضرة الذي لا تخطئه العين ولا يحتاج إلى برهان.