التناقض هو التوصيف الأنسب للموقف “الإسرائيلي” من ما يجري في سوريا، حيث من الواضح أن إدامة الحالة السورية مُشتعلة، يخدم مصالح “إسرائيل” الظرفية والاستراتيجية في آنٍ معاً، فمصلحتها الحقيقية تتمثل هنا باستمرار نزف الدم والدمار على امتداد الأرض السورية، واستمرار المساس بأرواح الناس، وبالبنى التحتية والمنشآت العامة.
توجهات “إسرائيل” لا تحكمها العواطف، ولا القيم ولا الأخلاق ولا الإنسانية، ولا أي منها، بل تحكمها مصالح وأهداف ظرفية واستراتيجية. فعندما يضرب الطيران الحربي “الإسرائيلي” في عمق الأراضي السورية، لا أحد يتعجب من استغلال الدولة العبرية للحالة السورية الراهنة، حيث من المنطقي هنا أن تستغل “إسرائيل” بالمعنى الاستراتيجي الحالة السورية كي تَضرب أهدافاً مُنتقاة في سوريا، كما جرى في قصف مركز البحوث العلمية في جمرايا في ريف دمشق قبل أكثر من عامٍ مضى.
لقد وضعت التحولات الجارية في المنطقة عموماً، وخصوصاً منها بالنسبة لسوريا، وضعت المنطقة أمام بيئة سياسية وجيوستراتيجية جديدة دفعت رئيس الحكومة “الإسرائيلية” بنيامين نتنياهو للقول “إننا نشهد شرق أوسط جديدا مُثيرا وصاخبا وقابلا للانفجار وخاصة على حدودنا الشمالية أمام سوريا” مُشيراً في الوقت نفسه إلى أن “إسرائيل تَعمل وفق التطورات المذكورة بمسؤولية واتزان ولكن بتصميم أيضاً” حسب تعبيره. حيث توقع بنيامين نتنياهو ومنذ ثلاث سنوات ومعه وزير شؤون المخابرات والأمن “الإسرائيلي” (يوفال شتاينتس) بأن يستمر الصراع في سوريا لفترات طويلة يتم خلالها استنزاف البلد على كل مستوياته، علماً أن (يوفال شتاينتس) ليس عضواً في الحكومة الأمنية المُصغرة لكنه على عِلم بأحدث المعلومات المخابراتية وله كلمة مسموعة لدى بنيامين نتنياهو.
إن نظرة ورؤية وزير شؤون الأمن والمخابرات في “إسرائيل” تتطابق مع رؤية وتقديرات الموقف عند رئيس الموساد الأسبق، الجنرال أفراييم هليفي، الذي تحدث أهمية إدامة الحالة السورية على ما هي عليه، وبقاء المواقف الدولية تراوح مكانها لجهة تعثر الجهود الدولية بما فيها تعثر الطريق نحو (جنيف 3) وتعطيل الحلول المطروحة أو التي قد تُطرح من أي طرف دولي مُؤثر أو من عدة أطراف دولية مُؤثرة بما فيها الأمم المتحدة.
النقاشات في الكيان الصهيوني كانت وما زالت تتمحور عن المكاسب “الإسرائيلية” المتوقعة من ما يجري في سوريا، أي أن النقاشات كانت وما زالت تَصُبُ في البحث عن النواتج والمخرجات التي يمكن لها أن تخدم مصلحة “إسرائيل”، وقد استمزجت صحيفة (يديعوت أحرونوت) في عددٍ لها صدر قبل فترة ليست بالبعيدة مواقف أربع شخصيات أمنية “إسرائيلية” رفيعة المستوى بهذا الشأن، حيث صبت تلك المواقف في الاتجاه الذي تحدثنا عنه، وخصوصاً منها موقف الجنرال (غيور آيلاند) رئيس معهد الأمن القومي “الإسرائيلي”. فيما أشارت استطلاعات الرأي المنشورة مؤخراً على صفحات العديد من المطبوعات والصحف الاسرائيلية أن (75%) من الجمهور “الإسرائيلي” يُحبذ الحياد في الموقف “الإسرائيلي” من الموضوع السوري خوفاً وخشية من الانعكاسات المحتملة على الدولة الصهيونية.
وعليه، كان وما زال الموقف “الإسرائيلي” بالنسبة للقضايا التفصيلية حول الأزمة السورية يدفع باتجاه إدامة الأزمة لكنه بالمقابل موقف مرتبك جداً، ويحمل معه سوء التقديرات في كل منعطف من مُنعطفات الأزمة، وقد بات هذا الإرباك مُزمناً في الحالة “الإسرائيلية” الرسمية وغير الرسمية في تقديم تقدير الموقف تجاه تفاصيل الأزمة السورية ومفاعيلها لجهة الأطراف الداخلة والفاعلة بها.
في هذا السياق، وكما تُشير معظم الصحف “الإسرائيلية” في مقالاتها اليومية منذ عام مضى، أن الخيارات “الإسرائيلية” تتعدد حول سوريا، وتبدو هناك مروحة كبيرة من الأفكار والتقديرات تبعاً للتعقيدات اليومية على الأرض والتي باتت لا تفارق ملف الأزمة السورية.
وعلى صعيد المعلومات شبه المؤكدة حصلت تطورات دراماتيكية في انتشار قوات “الجيش الإسرائيلي” في هضبة الجولان أمام خط وقف إطلاق النار مع سوريا. واشتملت المعلومات التي تم تسريبها على عدة تفاصيل، كان أولها استقدام “الجيش الإسرائيلي” إلى هضبة الجولان ومنذ شباط/فبراير 2014، فرقة عسكرية جديدة. وهذه الفرقة تضم كتيبة جمع معلومات استخباراتية، وهي مزودة بأجهزة رصد استخباراتي متقدمة من نوع (MARS) وبمنظومة استخبارات (الصياد) من إنتاج شركة (ألبيك). وهذه المنظومة قادرة على اكتشاف وتحديد الأهداف المتحركة على الأرض، وتحليل مسارها وأهدافها، ونقل المعلومات بسرعة إلى القوات المنتشرة في المنطقة.
ثانيها، قيام سلاح الجو “الإسرائيلي” يوم الأربعاء 19/3/2014 وقبل الفجر، بمهاجمة موقع عسكري سوري في منطقة القنيطرة، رداً على (ما قيل) عن زرع عبوة جانبية تم تفجيرها بسيارة جيب مدرعة تابعة لكتيبة المظليين “الإسرائيلية”. وقد أصيب خلال هذه العملية أربعة جنود حيث يسعى الأطباء لإنقاذ حياة واحد منهم أصيب بشكلٍ بالغ حسب المصادر “الإسرائيلية” ذاتها.
وثالثها، إجراء قوات الاحتلال لمناورات وتدريبات وتمارين عسكرية واسعة على امتداد جبهة الجولان، شاركت بها قوات من النخبة ومن لواء (جولاني) حيكت فيها ظروف قتالية معينة قد تتطور في مسار الأزمة السورية.
ورابعها، الزيارات الميدانية المُتكررة لقيادات جيش الاحتلال الأمنية والعسكرية للهضبة، بما فيها زيارات القادة السياسيين ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وإطلاقهم المواقف والتصريحات المتتالية عن الحالة السورية والتوقعات والتقديرات المُتعلقة بها.
من جهة ثانية، وفي أعقاب الحديث عن تدهور الأوضاع على الحدود السورية الفلسطينية على خط جبهة الجولان السوري المحتل، خط وقف إطلاق النار، بعد وقوع عدة حوادث خلال الفترات الأخيرة، وما تلاها بعد إعلان (النمسا) عن سحب قواتها المُتمثلة بثلث عدد القوات الدولية (الأندوف) المتواجدة على جبهة الجولان، عَرَضَ بعض المحللين السياسيين والأمنيين “الإسرائيليين” السيناريو المتوقع في الليلة التي سيقرر فيها المجلس الوزاري الأمني المُصغر “الكابنيت” القيام بعمل أمني، والسيناريو المتوقع يحمل في طياته الكثير من الأعمال الاستخباراتية التي سيتم عرضها على المجلس الوزاري المصغر لتقدير الموقف للمرحلة اللاحقة.
وخلاصة القول، إن الموقف “الإسرائيلي” بالنسبة للوضع الداخلي في سوريا ينطلق من حسابات “إسرائيلية” محضة لاعلاقة لها بموقف أخلاقي أو إنساني على الإطلاق، حيث تريد الدولة العبرية الصهيونية استمرار دوامة العنف، وتتمنى فشل كل الجهود الرامية للوصول إلى حلول توقف دوامة العنف.
علي بدوان/“إسرائيل” والأزمة السورية
16
المقالة السابقة