مثل سائر الانظمة البوليسية التي يشكل احد امثلتها النموذجية، يعيش النظام السوري حالا من الارتياب المرضيّ في كل شخص وكل أمر. فتعدد اجهزة الامن والاستخبارات وكثرة عناصرها ومخبريها تجعل كل مواطن مشبوهاً يفترض تصنيفه ضد النظام او معه، “متآمر” او مأمون الجانب، “ممانع” او “مستسلم”. ولا تستثني هذه الاجهزة الشرسة من نشاطها الموالين للحاكم ولا القريبين منه، خصوصاً في ضوء الانشقاقات التي شهدها النظام.
لكن هذه الريبة بدأت تطال الحلفاء الخارجيين الذين يستميتون في الدفاع عن حكم بشار الاسد مثل ايران و”حزب الله” والميليشيا العراقية المعروفة باسم “لواء ابو فضل العباس”، ووسائل الاعلام التابعة لهم، والتي لا هم لها سوى التطبيل لحاكم دمشق والدفاع عن “انجازاته” التي اودت حتى الآن بحياة 150 الف سوري.
وكانت اشكالات سجلت بين الطرفين منذ استنجدت دمشق بحلفائها ميدانيا، وظهر آخرها الى العلن بعد اجراءات قررتها السلطات السورية بمنع قناة “المنار” التابعة لـ “حزب الله” وقناة “الميادين” القريبة منه، من التغطية المباشرة للتطورات الميدانية لانهما بثتا مقابلات مع مقاتلين من “الحزب” اسندوا الى انفسهم الدور الرئيسي في التقدم المحرز على هذه الجبهة او تلك، وعرضتا اشرطة مصورة تخلو من اي وجود للجنود النظاميين.
واضطرت مستشارة الاسد الاعلامية بثينة شعبان الى التراجع عن انتقادات وجهتها الى “وسائل اعلام صديقة”، والى انكار صفحتها على “فايسيبوك” بعد تلقيها توجيهات عليا، علما ان الصفحة موجودة على الموقع منذ اكثر من ثلاث سنوات، والانتقادات التي وردت فيها ظلت اكثر من 24 ساعة من دون اي نفي.
وقد ابدى سوريون موالون تفاجؤهم بما كتب على صفحة الوزيرة السابقة وظنوا انها “تصفية حسابات” بينها وبين شخصية اخرى في النظام، او ان شعبان تمهد للانشقاق.
وكان النظام السوري ابدى استياءه من ترديد قريبين من “حزب الله” في لبنان ان قوات الحزب هي التي حالت دون سقوط ضاحية السيدة زينب في جنوب دمشق في ايدي مقاتلي المعارضة، وشكواهم من “خيانات” تعرض لها رجاله من القوات النظامية في اكثر من معركة وادت الى مقتل عدد منهم.
وحتى الميليشيا العراقية التي باتت تجاهر بمشاركتها في القتال في سورية وتفخر بقتلاها الذين تعلق ملصقات نعي لهم في شوارع المدن العراقية، تظل غير موجودة في عرف النظام السوري الذي لا تأتي وسائل اعلامه على اي ذكر لها ولا تنسب اليها اي فضل.
اما “حزب الله” فبات مضطرا بعد كل معركة يخوضها رجاله الى تسليم المنطقة التي يتقدمون فيها على الفور الى جنود الأسد كي يصورهم التلفزيون الحكومي وهم يرفعون صور رئيسهم.
وقبل ايام عندما احتفلت قناة “المنار” بما اسمته “العملية النوعية” لتفجير فيلا في منطقة القلمون، قالت ان عددا من “خبراء التفجير” في المعارضة السورية قتلوا فيها، وعرضت صورتين للفيلا قبل تفجيرها وبعده، رد التلفزيون الحكومي السوري بتأكيد ان وحدة خاصة من القوات النظامية هي التي قامت بالعملية.
انها الطبيعة الامنية للنظام السوري التي تجعله لا يثق بأحد خارج بطانته المباشرة، وتدفعه الى الشك حتى في اقرب حلفائه، وخصوصا في زمن الحرب.