علينا أن نعترف بأن “بعضنا” أوغل في عَرَق العباد وأساء لمصلحة البلاد عندما استرسل في مبالغات خارج السياق تحت عنوان الفساد الذي تمكنت قواه الحقيقية والفاعلة من الإفلات من عقاب القانون ووسائل التعقب عبر سلسلة الأكاذيب التي روجها فاسدون ولصوص ومتورطون في شبهات الفساد عن ذلك “الفساد الذي طال كل شيء”.
في الأردن فساد.. لا احد ينكر ذلك، من القمة الى القاعدة، وتلك حقيقة لم يعد من المنتج تجاهلها، لأن التجاهل بحد ذاته ممارسة جرمية فاسدة بحق المصلحة العليا للشعب والدولة.
لكن؛ لا احد يستطيع الادعاء بأن كل شيء فاسد في الأردن او أن الفساد أكبر مما ينبغي في البلاد ثم يندفع في حملة تشكيك عامة تعرقل الإدارة وتعطل الإنتاج وتحبط الشعب وتنتج الإحتقان بحيث يصبح المواطن الأردني يدور في محيط شبهات لا قرائن ولا ادلة عليها، وكانت في بعض جوانبها اقرب للاستهداف السياسي وتصفية الحسابات بين مراكز القوى والصالونات.
الكذب عن وجود فساد من دون دليل او قرار محكمة جريمة تأثيرها قد يتجاوز تأثير الفساد نفسه لأنها تشيع التشكيك في المجتمع وتضرب صدقية المؤسسات الرسمية وتحيلنا كما هو حاصل الآن إلى مجرد اعداد من البشر لا يعملون ولا يقومون بواجبهم ويكتفون بالظلام من دون حتى إشعال شمعة.
ما اثير في بعض مستويات الاسترزاق السياسي وتحديدا خلال العشر سنوات الماضية حول فساد وهمي ومفترض أخطر بكثير من حالات الفساد التي لا يمكن نكرانها ومن اسئلة الفساد التي كانت ومازالت عالقة.
هزمت الروح الوطنية التي تقاوم الفساد ولا تسمح له بالعبور عندما نجح فاسدون محتملون من النخب التي استطونت حياتنا في اصطياد “هواة” في السياسة والصحافة تولوا هم وظيفة الترويج لقصص وحكايات ما انزل الله بها من سلطان تحت ستار الحديث عن الفساد.
ساهمت نخب الصالونات بكفاءة في ترويج هذه البضاعة الرديئة وأية محاولة لإنكار الأمر لن تكون مجدية عندما نقرر فتح صفحة جديدة ووضع حد للاتهامات الجزافية.
ساهمت حكومات متعاقبة بتغذية ماكينة الحديث عن الفساد عندما تسببت بإثارة الجدل أو اتخذت قرارات لا معنى لها ولم تصارح الرأي العام ولم تتبع أسس الشفافية وتقصدت طرح المشكلات امام الرأي العام طلبا للبطولة والنجومية من دون إبلاغ الناس سبب وخلفيات المشكلات.
كما ساهم مجلس النواب السابق بالتشويه والسمعة السيئة والمبالغات الدرامية عندما سمح بتشكيل 40 لجنة تحت مسمى التحقق من الفساد اغلبها شكلت في إطار النكايات الشخصانية ما أظهر البلاد وكانها ساحة يرتع فيها الفساد وهو انطباع أنتجه برأيي الشخصي فاسدون حقيقيون إداريا وسياسيا وماليا مازالوا خارج نطاق حملات التشويه الشعبية ويتمكنون من إدارة حملات التشويه من دون التعرض لشررها.
ساهم بعضنا نحن معشر الصحافيين بالمشهد عبر المتابعة الرديئة للاشاعات وترويج ثقافة النميمة والمعلومات المزيفة والمضللة كما ساهم بعض الحراكيين في المسألة باستعراضات لا مبرر لها تعيد البلاد إلى العصر الحجري وهي تقيم محاكمات شعبية من دون قضاء ومحكمة وبيّنات وأدلة.
وساهمت المؤسسة الرسمية بكل ذلك وهي تتغاضى عن الأداء وتسمح بالمساس بهيبة الدولة لمصلحة نظريات بائسة في الإدارة قدمها كلاسيكيون من النوع المختص بتحطيم الجِرار بدلا من ترتيبها.
الخلاصة: يوجد فساد.. بالتأكيد؛ توجد مبالغات تدعمه بصورة مباشرة، ويوجد “تعميم” يخدمه كما قال الدكتور عمر الرزاز ونحن نبارك اي جهد علمي منهجي مستنير وغير إعتباطي يتولى الإجابة على الأسئلة بالرقم والوثيقة والحقيقة سواء صدر عن لجنة التدقيق بالتخاصية او عن الكتاب الأبيض الذي وعدتنا به المبادرة البرلمانية
بسام البدارين/الفساد.. هل طال فعلًا «كل شيء»؟
16
المقالة السابقة