بداية، لست ممن يشتهون التشهير بالخصوم، ولا حتى رؤية دم الأعداء، فما بالك إذا كان المخاطب بهذا السجال المحتدم داخل مصر وخارجها، نجماً سطع على شاشة التلفزيون، منح متابعيه لحظات ابتسام وسرور في هذا الزمن المدلهم، وظل يبهج الملايين لعامين على الأقل، ثم وقع في المحظور، وانكشفت له سوأة قلّ أن تتجلى بالصوت والصورة لواحد من المشاهير، طبّق اسمه الأسماع في العالم العربي.
وفيما اعتبر البعض سرقة باسم يوسف نص مقال لغيره، حول القرم وفلاديمير بوتين، مجرد كبوة فارس ينبغي التسامح إزاءها، لما للرجل من رصيد غير قابل للنفاد في المدى القصير؛ اعتبر البعض الآخر هذه الفعلة خطيئة لا تُغتفر، وسطواً في رابعة النهار، ارتكبها شخص له منزلة رفيعة، وغدت لديه رمزية كبيرة، الأمر الذي يضاعف من فداحة الأمر، ويُسقط الأعذار.
بين هذين الحدين، يمكن العثور على مساحة رمادية، لا يجوع فيها الذئب ولا تفنى معها الغنم. غير أنني آثرت ألا أقف في هذه المنطقة الوسطى، والالتزام بفضيلة الشك التي يستحقها كل مدعى عليه. أي أنني لم أجد نفسي قادرة على المغفرة لباسم، ولا التسامح معه، على ارتكاب فعل بالجرم المشهود، حتى بعد أن قام بالاعتذار علناً، تحت ضغط رأي عام بدا مفجوعاً بمقارفة نجمه المحبوب عملاً مذموماً في عالم الإبداع والمبدعين.
ذلك أن سرقة واحدة كان يمكن لها أن تُهضم بصعوبة، وأن يتم التغاضي عنها من جانب المحبين ذوي العيون الكليلة عن كل عيب. أما عندما اتضح أنها ليست الارتكابة الوحيدة، حين نقّب المبغضون لباسم عن واحدة أخرى على الأقل، سطا فيها على مقال نشره المرحوم جمال البنا (شقيق مؤسس جماعة الإخوان المسلمين) حول انتفاء عقوبة الردة في الإسلام، صار من الصعوبة بمكان التغاضي عما يبدو أنها خصلة كريهة متأصلة لدى واحد اعتقد أن بوسعه استغفال الجميع.
يبدو أن ذكاء صاحب برنامج “البرنامج” الشهير، الذي يشارك في إنتاجه نحو 200 من المعدين والفنيين، قد خانه هذه المرة، وأوقعه في الخطأ الذي سرعان ما تحول إلى خطيئة، مما أملى عليه معاقبة نفسه بالاحتجاب عن الشاشة لمدة أسبوعين، وذلك حين سها عن حقيقة أننا اليوم نعيش في زمن الإنترنت وعصر محرك البحث “غوغل” القادر بنقرة على الزر إماطة اللثام عن كل مخبوء، وكشف السر في الحال.
والحق أن مبعث معاندة خصلة التسامح الفطري لدي إزاء المخطئين في النوافل، بمن في ذلك من يسيئون إليّ، كان مردها قناعة تكونت في وقت سابق، ثم راحت تتعزز فيما بعد، قوامها أن باسم يوسف، الذي أخذته العزة، أو قل الشهرة، بالإثم، كان يغالي بشدة، ويمعن في انتقاده وتعريضه بالخصوم، ويميل إلى تحقيرهم بذواتهم أكثر من إضحاكنا على زلاتهم، سواء في زمن الرئيس المعزول أو في عهد الحكم الانتقالي، إلى حد بدا فيه الرجل انتقاميا.
ولعل ما صار يثير الحفيظة إزاء برنامج “البرنامج” مؤخراً، أن باسم يوسف ارتكب ما يحرص على تجنّبه كل المشاهير من سويته في الغرب؛ نعني به التعريض بالجيش الوطني، والاستهزاء بالقادة والرجال الذين يضعون أرواحهم على أكفهم، فما بالك بجيش يشكل عمود الوسط للدولة المصرية الحديثة، بل وبانيها في حقيقة الأمر! وهو ما رأى فيه كثيرون تجاوزاً للخطوط الأخلاقية الحمراء، ومساً شديداً بما هو مستقر في الوجدان المصري العام.
وإذا كان يحسب لباسم أنه مارس فضيلة الاعتراف بالخطأ، ولام نفسه علناً على الاستهتار بفطنة المشاهدين، وشجع بذلك على ممارسة ثقافة الاعتذار غير السائدة في بلادنا، فإنه يحسب عليه، في المقابل، ارتكاب كبيرة من الكبائر لدى المثقفين، وبدا كأنه الاستاذ في صف من الطلبة الابتدائيين، يرمي الجميع بسيف نقده، ويستخف بزملائه الإعلاميين، الذين يستحق بعضهم التسخيف حقاً، فيما لم يعد باسم قادراً على انتزاع تلك الابتسامة التي كان ينجح في استدراجها سابقاً، ممن كانوا ينتظرون إطلالته بفارغ الصبر.