بعيدا عن الجدل المثار حول الحكم القاسي الذي أصدرته محكمة جنايات المنيا بإرسال أوراق 528 متهما من جماعة الإخوان إلى فضيلة مفتي الديار المصرية تمهيدا لإعدامهم، حيث إن هذا الحكم قابل للنقض فإن المتأمل للعمليات الإرهابية التي تشهدها مصر من حين لآخر يلاحظ أنها تستهدف في المقام الأول المؤسستين العسكرية والأمنية، فلا يكاد يمر يوم دون أن يتم تصفية رجل شرطة أو من ينتمي للقوات المسلحة، سواء كان ضابطا أو جنديا أو ضابط صف، ما يعني أن الهدف من هذا الإرهاب هو إسقاط الدولة المصرية وليس الانتقام فقط من عزل الرئيس السابق محمد مرسي مثلما يحاول البعض تصوير الأمر على هذا النحو .. على اعتبار أن وقوف الجيش بجانب الشعب كان هو السبب في إسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين، وبأن العمليات الإرهابية التي تقوم بها الجماعات التكفيرية ضد رجال الجيش والشرطة وحرق منشآتهما ما هو سوى الرد المناسب على دور هاتين المؤسستين في عزل مرسي حتى يعود مرة ثانية إلى الحكم!!
كلا.. إن ما تشهده مصر من إرهاب لا يمكن أن يتم تصنيفه على أنه صراع على السلطة أو محاولة لإفشال السلطة الحاكمة لإسقاطها ليعود نظام حكم الإخوان مجددا، حيث إن المنتمين لتلك الجماعة هم أول من يعلمون أنهم أدخلوا أنفسهم في حالة عداء ليس مع الدولة فحسب بل مع غالبية الشعب، وبالتالي فإن ظهورهم على الساحة السياسية مجددا في الوقت الحالي أصبح شبه مستحيل، وبأن كل من يردد إمكانية عودتهم إما واهم أو مغيب لا يدرك مدى كراهية الشعب للإخوان في الوقت الحالي والتي نجح الإعلام في تكريسها بشكل كبير، مستغلا تصريحات أو بيانات إخوانية أو لمواقع إلكترونية تنتمي لهذه الجماعة تدعو لاستخدام العنف من أجل استرداد السلطة التي سلبت منهم بشكل دراماتيكي يرونه كان مخططا ومدبرا.
نعم .. هناك حالة عداء بين المؤسسة العسكرية وجماعة الإخوان المسلمين ليست وليدة اليوم بل عقب قيام ثورة الـ23 من يوليو 1952 عندما تحالف الإخوان مع تنظيم الضباط الأحرار وقت قيام الثورة ثم سرعان ما تحول هذا التحالف إلى صراع بعدما شعر الإخوان بأنه قد تم استخدامهم كمطية لعزل الملك فاروق وإجباره على التنازل عن العرش، وبمجرد ما قامت الثورة تم تهميشهم ومحاولة إبعادهم عن الساحة السياسية إلى أن تطورت الأحداث وقام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بحظر نشاط الجماعة ووضع قادتها في السجون والمعتقلات بعد حادث المنشية الشهير الذي اتهمت فيه جماعة الإخوان بمحاولة اغتيال عبدالناصر .. وبعد رحيل عبدالناصر سمح الرئيس الراحل أنور السادات لجماعة الإخوان بالظهور مجددا ليضرب بهم الناصريين واليساريين الذين كانوا يشكلون له تهديدا لتكون نهايته على يد الجماعات الإسلامية التي أفسح لها المجال للظهور على السطح!!
أما الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي ينتمي أيضا للمؤسسة العسكرية فقد ظل يستخدم جماعة الإخوان كفزاعة للغرب تارة وعقد صفقات معهم تارة أخرى، بينما هم كانوا يركزون على المناطق المحرومة من الخدمات والأسر الفقيرة لتقديم مساعدات عينية ومادية لهم حتى نجحوا في تكوين أرضية شعبية صلبة لهم في الشارع المصري مكنتهم من الحصول على 89 مقعدا من مقاعد البرلمان المصري في انتخابات العام2005 .. وهنا استشعر نظام مبارك الخطر خاصة رجال جمال مبارك الابن الذي كان يتم إعداده لتولي الحكم بعد والده فبدأ التضييق عليهم حتى جاءت الانتخابات البرلمانية في العام 2010 ليكتسح الحزب الوطني الحاكم مقاعد البرلمان بأغلبية ساحقة وهي الانتخابات التي عجلت بقيام انتفاضة الـ25 من يناير 2011!!
وحينما اندلعت ما أطلق عليه الغرب “ثورات الربيع العربي” وجدها الغرب فرصة لإسقاط أنظمة رآها شاخت في مواقعها ولا تصلح لمرحلة الشرق الأوسط الجديد الذي كان يخطط منذ سنوات لقيامه، ووجد ضالته مع الإسلاميين الذين بدأ صعودهم يتنامى، فكان التحالف بينهما على أساس أن يدعمهم الغرب للوصول إلى السلطة مقابل تحقيق مصالح وإملاءات الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة في المنطقة لتجد المؤسسة العسكرية في مصر نفسها مجبرة تحت الضغوط الغربية لتسليم السلطة لجماعة الإخوان المسلمين بعد بقاء ما يقرب من 60 عاما في الحكم ليجد الإخوان أنفسهم على رأس السلطة بمساعدة ودعم وتأييد غربي بعد أن ظلوا لأكثر من نصف قرن يحلمون بحكم مصر!!
ولكن فشل الإخوان في إدارة شؤون الدولة المصرية ودخولهم في صراع مع أغلب المؤسسات بما فيها القضاء قد عجل بنهايتهم في الوقت الذي كانت فيه المؤسسة العسكرية في انتظار تلك اللحظة لاسترداد السلطة التي انتزعت منها تحت الضغوط الدولية مستغلة ثورة الشعب المصري في الـ30 من يونيو 2013 لترد لجماعة الإخوان الصاع صاعين ولتكتب نهاية دراماتيكية لحكم جماعة الإخوان الذي دام عاما واحدا فقط .. ليعود الصراع بين جماعة الإخوان والمؤسسة العسكرية أشد عما كان عليه من قبل بعد أن ذاق الإخوان طعم السلطة لمدة 12 شهرا فقط، حيث أصبحت المسألة بالنسبة لهم حياة أو موت أو حسب مقولة شكسبير الشهيرة “أكون أو لا أكون”!!
جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تهاجم المؤسسة العسكرية وتنتقدها وهي في سدة الحكم صارت على يقين بعد انتزاع الحكم منها بأنه لا بد على كل طرف أن يتخلص نهائيا من الطرف الآخر ليس من أجل استرداد السلطة فحسب، بل من أجل القضاء عليه نهائيا بحيث يصبح عاجزا عن تهديده مرة ثانية، وهذا هو ما يحدث حاليا حيث صار كل طرف يسعى بكل ما أوتي من قوة ودعم داخلي وخارجي ليس لإضعاف الآخر بل بهدف إسقاطه .. فهل تدرك جماعة الإخوان بأن ما تفعله الآن يهدد ليس بإسقاط المؤسسة العسكرية وإنما بإسقاط الدولة المصرية؟!!