الجولة الآسيوية التي قام بها ولي العهد السعودي الامير سلمان بن عبد العزيز، وشملت الصين وباكستان والهند واليابان وجزر المالديف، دفعت اوساط السياسيين والمراقبين الى طرح تساؤل واحد تقريباً وهو:
هل اتجهت السعودية شرقاً بعدما ضيّعت الرياح الاميركية مساراتها الصحيحة في منطقة الشرق الاوسط، وغيّرت توجهاتها التاريخية في الخليج التي طالما اعتبرته واشنطن منطقة حيوية لأمنها القومي؟
معلوم ان القرارات في السعودية لا تقوم على ردود الفعل او الاستعجال، وخصوصاً عندما يتصل الامر بسياسات لها ابعاد استراتيجية، ولهذا كان من المبالغة ان يذهب البعض الى القول ان جولة الامير سلمان تأتي رداً على الاتجاهات الاميركية الدراماتيكية الاخيرة، سواء في الانفتاح المتهافت على ايران، او في دعم مشروع “اخونة المنطقة”، او في التغاضي عن المذبحة السورية!
يستطيع المراقب ان يجزم تقريباً ان هذه الجولة تأتي في سياق قرار سعودي متصاعد هدفه توسيع جسور التعاون وتعدّد الخيارات وإرساء المصالح المشتركة مع القوى الدولية وتنويع مصادر عناصر القوة، كما انها تأتي في السياق الذي بدأه خادم الحرمين الشريفين عام ٢٠٠٦ عندما قام بجولة على دول شرق آسيا فاتحاً الابواب امام اقامة علاقات التعاون بين الرياض وهذه الدول!
الرئيس باراك اوباما الذي سيزور السعودية يعرف جيداً، ان الرياض ليست في صدد تحوّل دراماتيكي في علاقاتها الاستراتيجية التاريخية مع الولايات المتحدة، التي بدأت قبل سبعين عاماً في ذلك الاجتماع بين الملك عبد العزيز آل سعود وبين الرئيس فرانكلين روزفلت على ظهر السفينة كوينسي عام ١٩٤٥، لكنه سيصل الى الرياض في ظل احساس ضمني (على ما يفترض)، بأن ادارته راكمت سلسلة من الاخطاء المؤذية والمؤلمة، على الاقل من وجهة نظر السعودية ومعظم الدول الخليجية والعربية.
ذلك ان انفتاحه التهافتي على ايران وانخراطه لمدة ثلاثة اعوام في مفاوضات سرية معها في عُمان، اي داخل البيت الخليجي، من دون التزام الحد الادنى من القواعد التي تفرض عليه بالضرورة اطلاع حلفائه السعوديين والخليجيين على ما يجري، وتركه الشعب السوري لقمة سائغة للمذابح والتدمير وتغاضيه عن حمامات الدم التي استجلبت الارهابيين الى سوريا من كل مكان، وكذلك موقفه الداعم لحركة “الاخوان المسلمين” في مصر بداية على الاقل، كل هذا شكّل تراجعاً او انقلاباً على قواعد التعاون الاستراتيجي التاريخي بين البلدين، لكن كل هذا لا ينسف بالضرورة هذا التعاون!
واذا كان التحول الاميركي نحو آسيا لمواجهة الصين يملي على اوباما تجاوز قواعد التزاماته حيال حلفائه الخليجيين، فان توسيع حقول التعاون الاستراتيجي نحو قوى دولية متعددة، يملي على السعودية، وهي دولة محورية، حرية التوجه شرقاً وهو هدف جولة ولي العهد!