رياح صرصر عاتية تهب على خليجنا العربي من كل اتجاه ، تكاد تطيح بكل مداخن البترول والغاز المنتشرة بين كثبان الرمال على السواحل الغربية من خليجنا العربي من شماله إلى جنوبه، تكاد تحطم الأبراج العاجية العالية المنتشرة في دول مجلس التعاون الخليجي لتجعلها أثرا بعد عين.
( 2 )
هناك خلاف محتدم بين القيادات السياسية في دول المجلس حول قضايا داخلية لا تثير نقعا ولا تحرك ساكنا، وأخرى تدور وقائعها خارج حدودنا الجغرافية استدعيت تلك الخلافات في ظروف كارثية تحيط بأمتنا العربية من كل ناحية بهدف إسكات صوت كل صاحب رأي وإغلاق كل وسيلة إعلامية لها دور في توعية الشعب العربي بقضاياه وحقوقه السياسية والاجتماعية، وبعيدا عن التدخل في السياسة الداخلية لدول مجلس التعاون أو غيرها. الجزيرة الفضائية من بين تلك الأجهزة الإعلامية المطلوب إخماد صوتها لأنها أخرجت الإعلام الرسمي من دائرة الاستماع والمشاهدة وكشفت عورات الأنظمة السياسية التي كانت تدثر بعباءة التقوى والإيمان وابتعادها عن التنمية الحقيقية والنهوض بالأمة لتكون في مصاف الدول، لأجل هذا يريدون إسكاتها وطمس شاشتها البراقة . نعم الجزيرة تقترف أخطاء ما كان لها أن تقترفها لكن من يعمل لا بد أن يخطئ وكان علينا أن نشد من أزر الجزيرة إن أصابت ونرشدها إن أخطأت ولكن ليس من حق أحد أن يلعنها لأنها تكشف المستور. لقد أصبحت الجزيرة ملك الناس جميعا إلا لمن يُعرض عنها فذلك حقه ولا عتب عليه.
( 3 )
السؤال الذي يحتاج إلى إجابة من كل صاحب رأي لماذا الزعيم العربي في أي قطرعربي يخاف من الكلمة الناقدة والتي لا تمسه شخصيا ولا أركان حكمه لكنها تمس سياساته ومخططاته؟ إن الكلمة الناقدة المذاعة أو المنشورة عبر وسائل الإعلام ترشد الحاكم العربي وتعينه على معرفة مواقع الوجع والفساد في وطنه والمطلوب علاجها ألم يردد أدبنا الإسلامي القول “رحم الله من أهداني إلى عيوبي”.
العواصف السياسية التي تهب على خليجنا العربي هذه الأيام تعمي الأبصار وتسبب ضيقا في التنفس الأمر الذي يؤدي إلى عمى البصيرة وغياب الحكمة وما أحوجنا إلى حكماء وأصحاب رأي لا أصحاب مصالح إلى جانب صانع القرار. نحتاج إلى وعي سياسي عند طبقة الحكام يدركون مفاهيم السيادة للدول ومفهوم السيادة ينفي قضية “الأمر والطاعة” والتي هي من صلب السيادة الداخلية والتي غير قابلة للتجزئة، وليست قابلة للتطبيق على ما عداها. السيادة في معناها العلمي هي عدم خضوع صاحب السيادة “الحاكم، الدولة” لسلطة ما أعلى منه، أو ند له، أو لأي دونه .إنه في حالة الخضوع لأي من هذه الثلاثية فإنه يفقد حقه في السيادة وليس جديرا بأن يحكم شعبه، ومن هنا نقول إنه من حق الدول أن تستضيف على صعيدها الوطني في حالة السلم من تشاء شرط ألا يخل بأمن طرف ثالث. ولا يجوز لأي طرف أن يعترض على ذلك. من حق الدولة أن تشرع من القوانين ما تشاء ولكن ليس لها الحق أن تفرض تشريعاتها على ما عداها من الدول لأن ذلك يخل بسيادة الدول. الولايات المتحدة الأمريكية تمارس ذلك النوع من إصدار التشريعات ولكن لا يعني ذلك الخضوع لإرادتها وإلا فقدت الدولة حقها في السيادة.
( 4 )
تقول صحيفة تصدر في دولة خليجية إن وزراء خارجية دول مجلس التعاون قرروا نقل أي اجتماعات مجدولة لمجلس التعاون وأجهزته من الدوحة إلى الرياض، وهناك “نميمة” سياسية تقول إنه تقرر إلغاء اجتماعات مجلس التعاون في هذه الفترة التي تشهد توترا وانقسامات بين دول المجلس، كما استبعد الأمير سعود الفيصل في تصريح له في صحيفة الحياة أن تحل الأزمة السياسية بين بعض دول مجلس التعاون ودولة قطر ما لم تعدل الأخيرة سياساتها كما استبعد أي وساطة عربية أو دولية لحل هذا الخلاف.
( 5 )
في شأن نقل مقر اجتماعات اللجان والمجالس الوزارية المجدولة إلى الرياض بدلا من الدوحة فهذه سابقة سلبية تكتب الأمانة العامة قواعدها دون وعي وسيترتب عليها مواقف من قبل الدول الأعضاء مستقبلا قد لا تخدم مسيرة المجلس الساعية نحو الاتحاد. لقد واجهت دول المجلس خلافات أشد وأصعب مما نواجهه اليوم ولم يحدث ما حدث في عهد عبدالله بشارة والسيد الحجيلان فلماذا يحدث ما يحدث في عهد الزياني؟ ألم أقل إن مجلس التعاون تتهاوى أسواره نتيجة الرياح العاتية التي تهب علينا في الخليج؟
في الجانب الآخر إنه أمر مؤسف على كل الصعد إغلاق الأبواب في وجه أي جهود لرأب الصدع في الخلاف القائم. إن الأمير سعود مشهود له بالحكمة ودقة في اختيار كلماته وعباراته وهو أقدم وزير خارجية ــ لعلمي ــ في العالم واجه مصاعب ومشاكل أقسى وأعظم من الخلافات القائمة اليوم على أرض الخليج وغيرها . وكان له دور في إطفاء حرائق اشتعلت على الصعيد العربي والخليجي على وجه التحديد. كنت أتمنى على الأمير سعود أن يكون رجل التواصل ومفكك عُقد الاختلاف بين الأهل والأشقاء بما يملك من مهارة دبلوماسية فهو شرب من علم الغرب حتى ارتوى ويعلم قواعد التوسط والتقريب بين الأطراف وتربى في بيت قاد السياسة الخارجية السعودية لأكثر من ستين عاما واجه فيها أزمات وكوارث سياسية لا حصر لها لكنها علمت آل بيته كيف التعامل مع الأزمات وخاصة مع دول الجوار بالطرق السلمية الهادئة.
( 5 )
أريد أقول إن دولة قطر متهمة في قضايا أكبر من قدراتها وأبعد عن توجهاتها وخارج اهتماماتها دون حجة لا تقبل الجدل أو إثبات مادي لا يدخله الشك مثل دعم الحوثيين في اليمن ودعم الإخوان المسلمين للإطاحة بأنظمة سياسية في دول مجلس التعاون، وقطر والإخوان وحماس وإيران متهمون بما يجري في سيناء بمصر العزيزة ومتهمة مع شقيقتها السعودية بتمويل وتدريب وتنظيم جحافل الإرهاب في العراق.. لم يبق من الاتهامات التي توجه إلى قطر إلا أنها وراء اختفاء الطائرة الماليزية من الأجواء، ولم يبق سوى اتهامها بأنها وراء أحداث شبه جزيرة القرم لأن بها أعدادا من المسلمين.
آخر القول: أناشد أهل القلم والرأي في خليجنا ألا يؤججوا نار الفتنة بين قياداتنا السياسية، أعينوهم على تلمس الحكمة وترجيح العقل وعدم الاعتماد على كتبة التقارير فإنهم أصحاب خيال مُخل ومُضلّل.