عروبة الإخباري – يوافق اليوم الخميس العيد السابع والستون لميلاد صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال، الذي كرس جهوده لجهة تعزيز التفاهم والحوار بين الثقافات في ارجاء العالم بوصفه مفكرا عربيا ومسلما ينادي بتلك القيم التي تنهج العدالة وصون الكرامة الإنسانية في اطار رؤية ناظمة للمشتركات العالمية.
وينبه سموه ويركز في اشتغالاته الفكرية وادبياته على صعوبة التعامل مع خيارات المستقبل ورسم معالمه استنادا الى قراءة استشرافية في ظل غياب قاعدة معرفية إقليمية مبنية على الإنسان والمكان والى رؤية إقليمية قائمة على الفهم المشترك للأولويات.
واتسمت مسيرة سموه المتواصلة بمبادراته وطروحاته التي تصب في القضايا والمشكلات التي تعصف بحياة المهمشين واحتياجاتهم والى تسليط الضوء على قضايا متداخلة النظم, كالمياه، والطاقة، والبيئة الإنسانية والطبيعية لإدراجها ضمن الاهداف التنموية العالمية.
واستقبل سموه بمشاعر الفرح والغبطة حفيده الثامن حيث منّ الله سبحانه وتعالى على سمو الامير راشد وسمو الاميرة زينة في الأول من كانون الأول الماضي بميلاد سمو الامير الحسن بن راشد الحسن ليضفي مولده بشائر الفرح على اسرته الصغيرة كما هو الحال على الأسرة الأردنية الواحدة.
فعلى المستوى الوطني اسهم سمّوه من خلال قنوات منتدى الفكر العربي في تعزيز الحوارات الفكرية التي نظمها المنتدى ومن ابرزها تعميق تصورات ورؤى الأوراق النقاشية التي خطها جلالة الملك عبدالله الثاني لجهة توسيع دائرة الحوار حول مضامينها وفتح آفاق واسعة للتمكين الديمقراطي، لافتا الى أن فكرة المواطنة الفاعلة ترتبط دوما بالإصلاح السياسي، اذ يركز سموه دائما على متطلبات الإصلاح ودور المواطنة في تحقيق الديمقراطية والحاكمية الرشيدة في دولة القانون والمؤسسات.
ويرى في مقالة له بعنوان (الدولة والمواطنة) في شهر ايلول الماضي أن على المشرع الدستوري تفعيل مفهوم المواطنة لتجسيد الرؤى الإصلاحية، التي تتكامل مع الجهود الملكية التي ترسم الطريق الأمثل للاصلاح منسجمة مع ما يذهب اليه جلالة الملك عبدالله الثاني على الدوام خصوصا في اوراقه النقاشية التي دعت إلى تكريس نهج المواطنة الفاعلة.
وبصفته رئيسا للمجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا رعى سموه حفل اطلاق مشروع سيناريوهات الاردن 2030 الذي نفذته الجامعة الاردنية بالتعاون مع المجلس الاعلى للعلوم والتكنولوجيا حيث دعا الى جعل الصالح العام أجندة مشتركة للجميع من خلال إعادة خلق العمل الجامع الإنمائي والى البناء على مخرجات دراسات استشرافية تلتقي مع دعوات سموه المتواصلة بضرورة عودة العقول الأردنية المهاجرة واعادة احياء الكثير من المراكز الإستشرافية للمساهمة في رسم الأولويات الوطنية.
وينادي سموه بضرورة أن يسمو الدين على السلطة السياسية في المدينة المقدسة، مجددا دعوته كذلك في الأسبقية المعنوية لكل الأماكن المقدسة، ولدى ترؤس سموه لاعمال مؤتمر الأوقاف الاسلامية والمسيحية في القدس الشريف، جرى التاكيد على تعزيز الولاية الهاشمية الأردنية على المقدسات ورعايتها، والى إنشاء صندوق عربي اسلامي لدعم العقارات العربية المقدسية والمحافظة عليها ضمانا لكرامة الأنسان العربي.
لقد رأى سموه ان هنالك حُزًماً متداخلة من المخاطر التي تواجه الإقليم ، من أبرزها غياب الرؤية الناظمة للاقتصاد التي تصون كرامة الانسان، لذا دعا وبصفته الراعي لمنتدى الفكر العربي الى سرعة انجاز الميثاق الاقتصادي العربي الذي يأتي استكمالا للميثاق الإجتماعي العربي كاضافة نوعية لآلية عمل المؤسسات الاقتصادية في الإقليم.
واثمرت جهود سمو الامير الحسن رئيس مجلس امناء الجمعية العلمية الملكية في استضافة الاردن لفعاليات المنتدى العالمي للعلوم التي تعقد العام 2017، وبمتابعة من سموه تضطلع الجمعية بدور متميز في وضع الأردن على الخارطة العلمية للعالم حيث قدمت انموذجاً لما يمكن أن يمثله بلدنا من بيئة ملهمة وموقع فريد، من خلال ابتكار اساليب علمية متنوعة للتكيف مع التحديات الديموغرافية والبيئية مع قلة الموارد الطبيعية، حيث يعتمد الأردن في تعزيز مسيرته على إرادة وعقول شبابه الطموح الذي تعلم من تاريخ اجداده ويطمح الآن لبناء مستقبل اقتصادي واجتماعي برعاية القيادة الهاشمية.
ويتابع سموه عن كثب مسيرة وتطور المعهد الملكي للدراسات الدينية الذي مضى على تاسيسه قرابة عشرين عاما والذي يراس سموه مجلس امنائه، مضيفاً إليه من رؤيته العميقة الكثير من الأفكار والتفاعلات الفكرية.
وتحمل نشاطات سموه الإقليمية والدولية مضامين متنوعة ومكثفة مثلما هي نشاطاته على المستوى الوطني ، وتقديرا لمساهماته الخلاقة من أجل ايجاد فضاء متوسطي منفتح يتعايش فيه الجميع تسلم سموه في تشرين الثاني الماضي جائزة ابن رشد الدولية حيث يعمل سموه على بناء الجسور التي تتعدى الحواجز السياسية والدينية.
وفي هذه المناسبة قال سموه «إن الصراعات المتحدث عنها الآن ليست صراعات العقل والمادة، ولكنها صراعات المادة وكرامة الإنسان» وهذا جله يدعونا الى العودة إلى ما تمثله افكار سموه والتي تمثل انحياز الثقافة العربية إلى العقل والبرهان وقيم التسامح الفكري والتعددية واحترام الاختلاف وإعطاء الأولوية للعقل والانفتاح على الثقافات الأخرى.
وهدف سموه من عقد المؤتمر الخامس لدول غرب اسيا وشمال افريقيا (وانا) في حزيران الماضي ورفع شعار (تحقيق الكرامة الإنسانية للمقتلعين) ان يكون هذا المؤتمر نقطة تحول في آلية التعامل مع المهمشين والمقتلعين, ومن هنا جاءت رؤيته بانشاء منتدى (غرب آسيا- شمال أفريقيا) لتسهيل إجراء حوار إقليمي حقيقي نابع من المنطقة ولاجلها حيث سيكون محور لقاء هذا العام (التمكين القانوني للفقراء) في منطقة غرب آسيا- شمال أفريقيا.
ورأى سموه ان غياب مفهوم المآلات والنتائج يفتت من عضد الأمة ويدمر مقدراتها , اذ اكد في حديثه لصحيفة الغارديان البريطانية في ايلول الماضي حقيقة ان غياب معركة العقل العربي والفشل في إدراك فكرة قواسمنا الجماعية والبيئية والتعاون الاقليمي المبني على الاستقرار والتنمية، ستكون نتائجه غياب القدرة على وقف الحرب العرقية والطائفية والمآسي الشخصية والبلقنة المحتملة.
عمل سموه على توجيه العديد من المناشدات وكتابة المقالات ذات الرؤية العميقة والحريصة على مستقبل الانسان العربي , فجاءت نداءاته (دعوة الى عقلاء الأمة)، (صيحة من أجل العراق ) و(مناشدة من اجل مصر) وغيرها.. صوتاً إنسانياً صادقا يحث على الحوار والعقلانية والتعاون بين ابناء الأمة العربية، من قادة سياسيّين وروحيّين, مفكرين ومثقفين، كي ينهضوا بدورهم الريادي في نشر قيم التسامح والاحترام والمواطنة والعيش المشترك لدرء الفتن وحقن الدماء , كما تعددت المناسبات التي ناشد فيها الحسن الأمة العمل على نبذ كل اشكال الكراهية المسيئة لصورة الإسلام.
ولاقت دعوة سموه بعقد مائدة مستديرة تجمع المرجعيات الإسلامية بجميع مذاهبها وطوائفها خلال مؤتمر التعددية الدينية في إطار حوار الحضارات الذي نظمته جامعة الكوفة في العراق بمشاركة سموه استحسانا من المؤتمرين الذين تبنوا الدعوة بهدف العمل على نزع فتيل الصراعات التي تعصف بالعالم الاسلامي.
وفي الشأن السوري، وضمن محاور الامن الانساني التي يهتم بها سموه، قال: إن الحرب الدائرة في سوريا تمثل أكبر تهديد للأمن الإنساني في الإقليم في السنوات الأخيرة، فدول الإقليم ترزح تحت وطأة الأعداد الضخمة للاجئين والنازحين او كما يطلق عليهم (المقتلعون من ارضهم).
وتشكل النظرة الشمولية لسموه اساسا لرؤى دعوته في ضرورة إقامة نظام إنساني عالمي جديد، لحماية متضرّري الكوارث سواء من فعل الطبيعة او من فعل الإنسان ,حيث اكد خلال مشاركته في اللقاء الذي نظمته السفارة البولندية في عمان بالتعاون مع منتدى غرب اسيا وشمال افريقيا الى ضرورة بناء بنية جديدة للتعاون والأمن والاستقرار من خلال التركيز على بعض الجوانب الأساسية للصراع قبل فهم الحاجة إلى الاستقرار.
وطالما نادى سموه بضرورة انشاء بنك اقليمي للتنمية واعادة الإعمار, حيث دعا خلال ترؤسه اجتماعا في معهد (ليجاتوم) الى صياغة المفاهيم الإساسية الخاصة بانشاء البنك, اضافة الى مناداته بانشاء الصندوق العالمي للزكاة بهدف مواجهة التحديات ودعم الأحوال الاجتماعية والإقتصادية للفئات المهمشة والمحرومة, اذ أن إقامة مثل هذه المشروعات تعزز من التماسك الإجتماعي من خلال مساهمتها في تمويل اقتصاد جديد منتج ومستدام كما قال سموه لافتا الى ان الفقراء قد يكونون فقراء من حيث المصادر, لكنهم أثرياء بالمواهب، لذا لا بدّ من الاستثمار المباشر في تمكينهم بعيداً عن الاستثمار الريعي.
واطلق سموه الى جانب عدد من القادة والمهتمين نداء يطالب الدول الاعضاء في الامم المتحدة بالتأكيد على أن العدالة وسيادة القانون والتمكين القانوني تنطوي ضمن إطار التنمية العالمية الجديد, فالحاجة ملحة والإمكانية تاريخية.
ويدرك الامير الحسن حجم مسؤولية إختياره رئيسا للمجلس الاستشاري المعني بالمياه من قبل الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون مطلع ايار الماضي الذي اعرب عن ثقته بان سموه سيواصل العمل بقوة مع الاعضاء لحشد العمل والموارد والإرادة السياسية لتحسين حياة مليارات البشر حول العالم.
ودفع هذا الاختيار الى الواجهة الحاجة الملحة الى تعزيز الاهتمام بقضايا المياه والطاقة من اجل البيئة الانسانية حيث تواصل سموه مع كل الفاعلين محليا ودوليا لوضع المياه على سلم الأولويات ، ولتكون هدفا مستقلا ضمن اجندة التنمية لهذا العام وصولا الى تحقيق الاهداف الإنمائية الخاصة بالمياه قبل عام 2015 وهو الموعد النهائي لتحويل الاهداف الى واقع.
ويشكل هذا الهدف منطلقا لكل خطاباته ولقاءاته الإقليمية والدولية حيث يؤكد ان المهمة القادمة هي النظرة الكلية للمياه وبأن يكون هناك مقترب لتوفير المياه الصالحة للشرب بمعايير دولية.
وجدد سموه دعوته في خطابه في اليوم العالمي للمياه في لاهاي إلى تشكيل لجنة تفعل المشتركات الكونية للمياه والطاقة لافتا الى ان تكلفة إيصال مياه الشرب للأغلبية البشرية في العقد القادم هي 530 مليار دولار بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، وربط سموه في حفل اطلاق تقرير التعاون المائي لعالم آمن الذي احتضنته الجمعية العلمية الملكية بين نزاعات القرن الحادي والعشرين وبين الحاجة الى موارد المياه.
وأشار سموه الى ان تقرير مجموعة الاستشراف الاستراتيجية الجديد أثبت ان الدول التي تتعاون في ادارة مصادر المياه المشتركة بينها لن تدخل في نزاع مهما كانت الأسباب، ومن هنا استحدثت المجموعة مبادرة السلام الأزرق الذي يرأس سمو الأمير الحسن لجنتها العليا، والتي تقترح عملية استباقية للتعاون في مجال المياه مع الاستراتيجيات التعاونية والمستدامة.
وكانت نشاطات سموه الوطنية والدولية خلال العام الماضي متنوعة غطت جُل اهتماماته الفكرية والإنسانية والتعليمية والثقافية والتكنولوجية.
وعبر مسيرته الخيرة يركز الأمير الحسن على تعظيم المشتركات والجوامع البناءة واحترام الفوارق بين المواطنين كقواعد أساسية لتفعيل المجتمعات وتمكينها، وان الإرادة العربية الحرة المسؤولة هي الفاعل الأساس في استشراف المستقبل وصون كرامة اجياله.