بات معروفاً أن ملفات رئيسية في المنطقة تشكل مواضيع تباين بين واشنطن والرياض التي تستقبل أواخر الشهر الحالي الرئيس باراك أوباما. ورغم تجديد البلدين حرصهما على تعزيز العلاقات الثنائية المتميزة أصلاً، إلا أن الولايات المتحدة تبدو منذ فترة وكأنها تعتمد، لاعتباراتها الداخلية والخارجية، سياسات ومواقف ومعايير لا تنسجم مع الوقائع الجيوسياسية في المنطقة ولا ترقى إلى مستوى الكلام عن تحسين روابطها مع العالم العربي، أو غالبية دوله وأكثرها تأثيراً على الأقل.
وإذا كانت الثورة السورية لا تزال تدفع ثمن القرار الأميركي بالتراجع عن التدخل المباشر لموازنة الدعم الهائل الذي توفره ايران وروسيا وتوابعهما لنظام بشار الأسد واعتبار طهران أنها تخوض معركة حياة أو موت دفاعاً عن دمشق، فإن تداعيات موقف واشنطن لا تزال محسوسة بوضوح في تكرار الاستياء السعودي، وبطرق مختلفة، من استمرار التجاهل الدولي للمأساة التي يعيشها السوريون، والعجز الغربي عن نجدة شعب يستغيث ولا يُقدم أحد على مد اليد إليه بحجة عدم تجاوز مؤسسات الأمم المتحدة التي طالما لم تحظ بالاحترام المزعوم في حالات أقل حراجة بكثير.
أما في مصر التي وضعت السعودية ودول خليجية أخرى ثقلها لمساعدتها على التعافي التدريجي من نكسة الحكم الوجيز لجماعة «الإخوان المسلمين»، فلا تزال موضع ضغوط أميركية تنطلق من استمرار واشنطن في اعتبار الجماعة «حركة سياسية مشروعة» بعدما كانت تبنت وصولها إلى الحكم ووفرت له غطاء دولياً، رغم ان التطورات في مصر أثبتت ان الجماعة لا تتورع عن اللجوء إلى العنف والإرهاب وسيلة لتحقيق غاياتها السياسية.
وفي العراق، تتقاطع المصالح الأميركية والإيرانية على بقاء نوري المالكي رئيساً للوزراء، ما يشجعه على مواصلة سياسته القهرية وعمله على تجيير الحكم والثروة إلى مكون واحد من مكونات العراق، أي الشيعة الموالين لطهران، وإهمال المكونات الأخرى من سنّة ومسيحيين وأكراد، بما يتناقض تماماً مع الوعود التي أطلقتها واشنطن ولا تزال تكررها عن إقامة حكم ديموقراطي صحيح في بلاد الرافدين.
أما في الخليج نفسه، وفي البحرين تحديداً، حيث تتلاقى الضغوط الديبلوماسية الأميركية مع مساعي طهران الميدانية لزعزعة الاستقرار، فتتصرف الولايات المتحدة وكأن المشكلة في البحرين داخلية بحتة ومفصولة عن خريطة وأهداف الهجمة الإيرانية على الخليج والمنطقة العربية عموماً، بما يؤدي إلى عكس ما ترمي إليه دعواتها لتحسين مستوى المشاركة الوطنية. وبدلاً من أن تلبي المعارضة دعوة الحكم المفتوحة إلى الحوار، نجدها تتلكأ وتتصلب مستندة إلى الموقف الأميركي، ذلك أن المعادلة التي تدافع عنها واشنطن تجعل من الإصلاح شرطاً لعدم «تجذر» المعارضة، بينما ما يحصل فعلياً هو أن بعض المعارضة يتجه إلى التصعيد والعنف لارتباطه مباشرة بالقرار الإيراني.
فإذا كانت الولايات المتحدة راغبة حقيقة في إعادة الزخم إلى علاقاتها مع العالم العربي، وخصوصاً مع السعودية، فلا بد أن تعيد النظر في مقاربتها لقضايا المنطقة وأن تتخلى عن استراتيجية فصل الملفات عن إطارها الجيوساسي الشامل، وأن تتوقف عن اعتبار أن أولوية محاربة الإرهاب تجعلها في حل من التزاماتها الأخرى، لا سيما وأنها تتغاضى في هذا الخصوص عن أنظمة راعية للإرهاب مثل الحكمين السوري والإيراني.
في نهايات الحرب العالمية الأولى التي يحيي العالم هذه السنة ذكرى مرور قرن على نشوبها، كان رئيس وزراء بريطانيا لويد جورج يبدي عداء كبيراً لتركيا وحماساً لتفكيكها وتقاسم تركتها الكبيرة مع الفرنسيين، إلى درجة أن احد وزرائه تساءل ساخراً عما إذا كان «يحلم باليونانية». واليوم، مع الدعم الذي يقدمه أوباما، عن قصد أو عن غير قصد، لمساعي التوسع الإيراني في المنطقة، يصبح مبرراً الاعتقاد بأن الرئيس الأميركي يحلم بالفارسية!