بالتأكيد كان اللقاء بين باراك أوباما ومحمود عباس فاشلاً، لكن ليس هناك من يرغب في اعلان هذا الفشل. فلا الجانب الفلسطيني يريد اعطاء الذرائع لاتهامه بافشال مساعي التسوية، ولهذا يتعمّد ابو مازن ترك التفاحة الاميركية تتعفن، ولا الجانب الاميركي يريد الإقرار بفشله في دفع بنيامين نتنياهو الى استجابة شروط التسوية، ولهذا لم يتوان أوباما في مطالبة عباس بما يتوجب عليه هو القيام به لإنجاح التسوية !
قمة المساخر ان يطالب أوباما ابو مازن باتخاذ ” قرارات صعبة والاقدام على مجازفات من اجل تحقيق السلام مع اسرائيل”، وقت يبدو ان على ادارته اتخاذ مثل هذه القرارات والمجازفات، وخصوصاً بعدما تعمّد نتنياهو جرف مساعي التسوية وتدميرها، كما يجرف بيوت الفلسطينيين واراضيهم تحت انظار واشنطن التي لم تتمكن من ان توقف هدم منزل فلسطيني واحد !
عندما حاول أوباما “المجازفة” في بداية ولايته الاولى واختار القضية الفلسطينية مدخلاً لرسم صورة جديدة للوجه الاميركي البشع، شن نتنياهو حملة سياسية واعلامية عليه انتهت بليّ ذراعه، والآن وبعد الفشل المريع في سياسات أوباما الخارجية من سوريا الى اوكرانيا مروراً بمصر وايران، من الفظاظة محاولة التعويض بمطالبة عباس بأن يجازف بالقبول بيهودية اسرائيل، وهو ما لن يقبله فلسطيني من الآن والى الأبد، لانه يعني الغاء فلسطين من التاريخ والجغرافيا معاً، واسقاط الذاكرة الفلسطينية ودفن القضية وفتح الباب على تهجير مليون ونصف مليون من فلسطينيي ١٩٤٨.
يعرف أوباما كما يعرف عباس ان موعد انتهاء المفاوضات في ٢٩ نيسان المقبل سيحل قريباً، ولهذا فان طموح البيت الابيض هو ترتيب اعلان عن تمديد جديد لفترة التفاوض تلافياً لاعلان الفشل، وابو مازن لن يبخل على تفاحة أوباما بوقت اضافي لن يلغي سقوطها في التعفّن الاسرائيلي، وخصوصاً ان عامل الوقت هو في مصلحة الفلسطينيين، ومن له صبر أيوب لا يعدّ الاعوام، فليتحمل أوباما ونتنياهو.
لقد وصلت المناورة الرخيصة بجون كيري الى حد تغليف “انتقاده” تكرار نتنياهو التمسك بيهودية اسرائيل بالقول إن “الدولة اليهودية في الجيب”، في اشارة الى قرار التقسيم رقم ١٨١ الصادر عن الامم المتحدة عام ١٩٤٧ والذي أتى على ذكر الدولة اليهودية ٤٤ مرة، ولكن شتان ما بين ذلك التاريخ حيث كان نصف فلسطين واكثر سيعطى لأهلها وبين اليوم ولم يبق التهويد منها اكثر من ٢٠٪ من الضفة الغربية اضافة الى قطاع غزة؛ فاذا كان القرار ١٨١ يضع يهودية اسرائيل في الجيب، فلماذا لا يجازف أوباما بالعودة الى هذا القرار واعطاء الفلسطينيين نصف فلسطين المحتلة؟
أوباما فشل، فليتعفّن كالذين سبقوه في السهر على مصلحة الاحتلال الاسرائيلي !
rajeh.khoury@annahar.com.lb