ابراهيم القيسي/مواقف خيرية متوحشة !..

كم تبلغ أقساط طالب ثانوية أو توجيهي في مدارس كالأمريكية أو البريطانية أو غيرها، لا أعلم بصراحة إلا أن أتوجه بالسؤال الى المدارس نفسها، لكنني قبل سنوات علمت من مدير التعليم الخاص آنذاك، بأن رسوم طالب التوجيهي في مدرسة نسيت اسمها، يبلغ 27 الف دينارا فقط، ولا أستطيع أن أتخيل مستوى التعليم والخدمة التي تقدمها هذه المدارس للطالب في صفوفها.. لا علاقة لهذه المدارس بالعمل الخيري الذي أكتب عنه هنا، لكنني رغبت ذكرها لأبين للناس أن ثمة أثرياء في الأردن، يستطيعون دفع مثل هذا المبلغ على طالب مدرسة، وعلى الرغم من وجود هذه الثروات في عمان وغيرها، تجد فقراء وبؤساء ومتسولين، يعيشون ظروفا أسطورية من الألم والمعاناة، ولا تمتد لهم أيدي الخير من قبل أهل الثراء..
لماذا لا تقوم مثل هذه المؤسسات بأعمال خيرية إنسانية معروفة؟ اريد التحدث بمثال عن الوحشية الخيرية: لو قامت سيدة ثرية من عمان مثلا، بدعم حملة التصويت للمطرب محمد عساف، ودفعت مبلغا من المال تجاوز سقف 10 آلاف دولار، قد نقول عندئذ إنه عمل وموقف شخصي له ما يبرره بالنسبة لهذه السيدة، وقد تكون تحب الفن أو تتمتع بحس وطني ما تجاه دعم متسابق، مشترك في تلك المسابقة المعروفة ب»آراب أيدول/ محبوب العرب «،ولو علمنا مثلا،أن طفلة هي ابنة شقيق او شقيقة تلك السيدة تعاني من مرض خطير، وتحتاج الى إجراء عملية جراحية مهمة قد لا تصل كلفتها الى سقف 10 آلاف دولار، وأهلها معسرون تماما ولا يملكون مالا لإجراء العملية، ولجأوا مرارا الى تلك القريبة الثرية، لتدعم إجراء عملية للطفلة ماليا، فترفض او لاتستجيب، بينما تقدم مثل هذا الدعم لتلك المسابقة الفنية، فماذا سنقول عندئذ؟..
هكذا تتنافر الصور والأحاسيس بين طبقات اجتماعية يتمايز الناس في الانتساب اليها، على أساس ملاءتهم المالية أو حالة العدم التي يسبحون فيها ليلا نهارا، وتكون الخسائر فادحة على الصعيد القيمي العربي الاسلامي الذي نعرفه، إذ كيف يكون الانسان وطنيا مثلا أو موسيقيا مرهف الحس،ومستعدا لبذل كل الجهود التطوعية والداعمة لميوله الانسانية من هذا النوع، وفي الوقت ذاته لا ينظر بعين الرحمة والعطف للناس المكروبين الفقراء، حتى وإن كانوا من أقاربه؟ هل بقيت قيم اجتماعية انسانية تذكر في عقول وقلوب مثل هؤلاء؟ انظروا الى البؤساء والمساكين، او على الأقل لا تستفزوا مشاعرهم بأعمالكم الخيرية المتوحشة..
سبحان الله المانح المانع!
ibqaisi@gmail.com

شاهد أيضاً

الحاجة إلى تعديل نظام الدوائر الانتخابية* د. ليث كمال نصراوين

أصدر مجلس الوزراء نظام الدوائر الانتخابية رقم (52) لسنة 2023 كنظام تنفيذي وذلك بالاستناد إلى …

اترك تعليقاً