عروبة الإخباري – احتفت السلطات الانفصالية في شبه جزيرة القرم جنوب أوكرانيا أمس، ببدء «حقبة جديدة» بعد تنظيمها استفتاءً «تاريخياً» يمهّد لضمّها إلى روسيا التي دافعت عن شرعيته، معلنة «احترامها خيار شعب القرم». لكن الحكومة الأوكرانية اعتبرت الاستفتاء «سيركاً» تقوده موسكو، متعهدة محاكمة «قادة» الانفصاليين الذين اتهمتهم بمحاولة «تدمير استقلالها» (للمزيد).
واتخذ الغرب موقفاً حازماً من الاستفتاء، اذ كررت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رفضهما الاعتراف بشرعيته، وأعلنا عزمهما فرض عقوبات على روسيا تؤدي إلى عزلها و»تقويض نفوذها في العالم». لكن موسكو وواشنطن تحدثتا عن إمكان إجراء أوكرانيا «إصلاحات دستورية».
وأعلنت سلطات القرم أن نسبة إقبال الناخبين بلغت نحو 70 في المئة، قبل ساعتين من إغلاق مراكز الاقتراع، إذ صوّتت بكثافة الغالبية المؤيدة للانضمام إلى روسيا، فيما بدت المناطق التي يتركّز فيها تواجد أبناء أقلية التتار غير مكترثة بالاستفتاء الذي اعتبره الناشط التتري رفعت تشوباروف «عرض تهريجٍ، وسيركاً».
وتحدث رئيس وزراء القرم الموالي للروس سيرغي أكسيونوف بعد إدلائه بصوته، عن «لحظة تاريخية وحقبة جديدة»، معتبراً أن «الجميع سيكون سعيداً». لكن رئيس الوزراء الأوكراني أرسيني ياتسينيوك قال: «ثمة سيرك الآن، يُسمى استفتاء، على أراضي القرم تحت إشراف روسيا. ويشارك في المسرحية 21 ألف جندي روسي، يحاولون ببنادقهم إثبات شرعية الاستفتاء».
وتعهّد خلال جلسة للحكومة، محاكمة «قادة» الانفصاليين الذين يحاولون «تدمير استقلال أوكرانيا، تحت غطاء من القوات الروسية». وأضاف: «سنعثر عليهم، ولو تطلب الأمر سنة أو اثنتين، ونقاضيهم أمام محاكم أوكرانية ودولية. سنحرق الأرض تحت أقدامهم».
وأعلنت السلطات الأوكرانية إغلاق حدودها مع روسيا في مناطق جنوب شرقها المحاذية للقرم، بعد إفشال محاولات اختراق عسكري روسي في بعضها. لكن مدناً أوكرانية شرق البلاد شهدت تصاعداً خطراً للتوتر، إذ اقتحم حوالى ألف متظاهر مؤيدين لروسيا في دونيتسك، مقرّي النيابة وأجهزة الاستخبارات، مهددين بالانتقال إلى مبان حكومية أخرى، وطالبوا بإطلاق زعيمهم بافلو غوباريف الذي أعلن نفسه «حاكماً» للمدينة. وتوجّه متظاهرون في خاركوف إلى مبنى القنصلية الروسية، وطالبوا موسكو بتدخل عسكري في مدينتهم.
في غضون ذلك، أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المستشارة الألمانية أنغيلا مركل قلقه إزاء «تصاعد نشاط متطرفين في شرق أوكرانيا وجنوبها، أجّجوا التوتر بالتواطؤ مع سلطات كييف». وأكد أن «سكان القرم يعبّرون عن رغبتهم في إطار الاحترام التام لقواعد القانون الدولي»، مشدداً على أن بلاده «ستحترم خيار شعب القرم».
أما مركل فاقترحت على بوتين «توسيعاً سريعاً» في أوكرانيا لحضور «منظمة الأمن والتعاون في أوروبا»، وأن «يترافق ذلك مع إرسال عدد اكبر من المراقبين إلى المناطق الساخنة، خصوصاً شرق البلاد». وأعلنت المستشارية الألمانية أن الرئيس الروسي أشاد بـ «إيجابية المبادرة».
إلى ذلك، أعلنت الخارجية الروسية أن الوزير سيرغي لافروف كرّر لنظيره الأميركي جون كيري أن «استفتاء القرم يتفق تماماً مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وأن النتائج يجب أن تكون نقطة البداية في تحديد مصير شبه الجزيرة». وأضافت أن الجانبين «اتفقا على متابعة العمل للتوصل إلى تسوية في شأن أوكرانيا، من خلال بدء إصلاحات دستورية سريعاً بدعم من المجتمع الدولي».
أما الخارجية الأميركية فأعلنت أن كيري أبلغ لافروف أن «الولايات المتحدة لن تعترف بنتيجة» الاستفتاء، داعياً روسيا إلى «إعادة قواتها إلى قواعدها، ومعالجة التوترات والمخاوف في شأن تدخلها العسكري» في أوكرانيا.
وقال مسؤول بارز في الخارجية الأميركية إن كيري حضّ موسكو على «دعم جهود الأوكرانيين من مختلف الأطياف، لمعالجة مسألة تقاسم السلطة واللامركزية، من خلال إصلاح دستوري يكون شاملاً في شكل واسع ويحمي حقوق الأقليات».
وكان دان فايفر، وهو مستشار بارز لدى البيت الأبيض، أعلن أن أولوية إدارة الرئيس باراك أوباما تتمثّل في دعم الحكومة الأوكرانية «بكل وسيلة ممكنة». وسأل: «لدى الرئيس بوتين خيار حول ما سيفعله: هل سيفاقم عزل نفسه، ويزيد من الإضرار باقتصاد (روسيا) وتقويض نفوذها في العالم، أم سيفعل الأمر الصائب»؟ وزاد: «نمارس أقصى ما نستطيع من الضغط على الروس، ليفعلوا الأمر الصائب، ويمكن توقّع عقوبات في الأيام المقبلة».
في بروكسيل، اعتبر الاتحاد الأوروبي أن استفتاء القرم «ليس قانونياً ولا شرعياً»، معلناً أنه «لن يعترف بنتيجته». وقال رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فون رامبوي ورئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو إن وزراء الخارجية الأوروبيين سيناقشون اليوم «اتخاذ تدابير إضافية» في حق روسيا، في إشارة إلى فرض عقوبات.