سامي حامد/مصر وأوكرانيا .. المواقف تتبدل!

المتأمل للأزمة الأوكرانية وما يمكن تسميته انتفاضة الشعب الأوكراني التي أطاحت بالرئيس الأوكراني المنتخب فيكتور يانوكوفيتش يجدها تتشابه إلى حد ليس ببعيد مع انتفاضة الشعب المصري يوم الـ30 من يونيو التي أطاحت هي الأخرى بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي .. فالشعب كان هو كلمة السر في الثورتين إلا أنه رغم ذلك اختلف رد الفعل الدولي شكلا ومضمونا تجاه الثورتين، وهو ما يثبت بالدليل القاطع أن سياسة الدول وبالأخص الدول الكبرى المؤثرة تحكمها المصالح أولا وأخيرا وليس المبادئ أو التعاطف مع رغبات الشعوب التي تنتفض .. فالولايات المتحدة على سبيل المثال لم تساند انتفاضة الشعب المصري يوم الـ30 من يونيو التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين، والسبب بسيط وهو أن واشنطن كانت ترى أن تلك الجماعة هي التي ستحقق مصالحها في المنطقة، ولذلك عاقبت الشعب المصري على انتفاضته التي أسقطت الإخوان بأن علقت مساعدتها العسكرية لمصر ولا تزال تتعامل بجفاء مع القائمين على الحكم حاليا!!
في المقابل يتناقض الموقف الأميركي تجاه مصر مع الموقف الأميركي الداعم للمعارضة الأوكرانية ضد الرئيس يانوكوفيتش؛ لسبب أيضا بسيط هو أن نظام يانوكوفيتش موالٍ لموسكو، وهو ما يمثل تهديدا لواشنطن التي نجحت في تسعينيات القرن الماضي في تفتيت جمهوريات الاتحاد السوفييتي، بل وتفتيت أوروبا الشرقية كلها، وبالتالي فإنه من مصلحة واشنطن وجود نظام أوكراني حليف للغرب وليس للتاج الروسي، ولذلك أيدت وساندت حركة المعارضة في أوكرانيا بينما وقفت ضدها في مصر!!
نفس الحال ينطبق على الموقف الروسي أيضا الذي وقف بجانب ثورة الشعب المصري ضد حكم الإخوان والإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، بينما وقف ضد ثورة الشعب الأوكراني من خلال مساندته للرئيس المعزول فيكتور يانوكوفيتش وتدخله في أزمة منطقة القرم، وهو ما أغضب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذي هدد هو الآخر بتوقيع عقوبات اقتصادية على موسكو إذا استمر الوضع المتدهور في أوكرانيا حيث اتفق قادة القمة الأوروبية الطارئة التي عقدت في بروكسل مؤخرا على استراتيجية تدريجية للعقوبات لإرغام روسيا على التفاوض على مخرج للأزمة في أوكرانيا، بينما فرضت واشنطن قيودا على منح تأشيرات دخول إلى أراضيها لعدد من المسؤولين الروس الذين يهددون سيادة أوكرانيا!!
نحن على أعتاب حرب باردة جديدة بين القطبين الأميركي والروسي اندلعت شرارتها الأولى بالموقف الروسي تجاه الأزمة السورية المؤيد لنظام حكم الرئيس بشار الأسد .. وزادت حدتها مع التقارب بين موسكو والقاهرة .. وبدأت الجولة الأولي من الحرب الباردة الجديدة في أوكرانيا مع اندلاع ثورتها الشعبية لتتحول منطقة القرم إلى حلبة صراع بين شرطي العالم والدب الروسي ليختبر كل طرف قوته أمام الآخر .. فواشنطن من جانبها تريد معاقبة موسكو على موقفها المؤيد للنظامين السوري والمصري وتقاربها المريب مع القاهرة خاصة بعد ورود تقارير تشير إلى أن مصر في طريقها لتوقيع صفقة أسلحة روسية ضخمة تضم طائرات طراز أم آي 35 وطائرات مروحية هجومية بديلة لطائرات الأباتشي الأميركية التي علقت واشنطن تسليمها لمصر لأجل غير مسمى .. وهي طائرات مهمة تستخدمها السلطات المصرية في مكافحة الإرهاب بشمال سيناء .. كما تشمل صفقة الأسلحة أنظمة دفاع جوي ومقاتلات “ميج” وأسلحة مضادة للدبابات!!
ما يخيف واشنطن أنها تشعر بأن الدب الروسي بدأت تعود إليه أنيابه من جديد، ما يهدد مصالحها في العالم خاصة وأن هذه الأنياب بدأت تنمو في منطقة الشرق الأوسط المضطربة في الوقت الذي كانت تسعى فيه الولايات المتحدة لرسم خريطة جديدة للمنطقة تضمن الحفاظ على المصالح الأميركية وفي نفس الوقت تضمن أمن وأمان إسرائيل .. فإذا بالروس يشاركون في إفساد المخطط الأميركي ويدخلون في تقارب مريب مع مصر تحصل الأخيرة من خلاله على أسلحة متطورة، ما قد يقلص معه التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، وهذا ما حذر منه مؤخرا باحثان في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط حيث أشارا إلى أن قيام أميركا بتعليق مساعداتها العسكرية لمصر دفع عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع المصري للحصول على مساعدة موسكو لتنويع مصادر مصر من المشتريات العسكرية، ولفتا إلى أنه إذا تمت صفقة السلاح بين موسكو والقاهرة فسوف يؤدي ذلك إلى تآكل التفوق العسكري النوعي لإسرائيل!!
هناك من المحللين السياسيين من يفسر بأن توقيت الأزمة الأوكرانية واشتعالها كان مقصودا ومخططا له حتى تنشغل موسكو بهذه الأزمة ولا تذهب بعيدا عن محيطها الإقليمي ولا تفكر في مد نفوذها حتى في إطار هذا المحيط، وبأن ما يشهده العالم الآن ما هو سوى بداية لحرب باردة جديدة بين واشنطن وتابعها الاتحاد الأوروبي من جانب وبين موسكو وما تبقى لها من نفوذ في منطقة القرم من جانب آخر .. اختبار قوة جديدة بين العدوين السابقين يعيدنا إلى أجواء الحرب الباردة التي دامت لأكثر من 20 عاما بين واشنطن وموسكو وانتهت مع بداية التسعينيات من القرن الماضي بانهيار الاتحاد السوفييتي وتفكيك أوروبا الشرقية ..
روسيا من جهتها شعرت بالخطر بعد انهيار نظام الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش الموالي لها حيث خلا مجلس وزراء أوكرانيا الجديد من الروس الأوكرانيين الذين يمثلون أكثر من 60% من سكان القرم كما أن مجلس الوزراء الجديد جعل اللغة الروسية لغة ثانية، ما يعني أن الروس الأوكرانيين صاروا مواطنين من الدرجة الثانية وعندما تراجعت الحكومة الأوكرانية الجديدة كان قد سبق السيف العذل وسيطرت روسيا تماما على شبه جزيرة القرم بل وتدعم الاستفتاء الخاص بانفصال شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا .. فهل تشتعل الحرب في هذه المنطقة أم سرعان ما يعود الدب الروسي إلى جحره مرة ثانية؟!!

شاهد أيضاً

بين خطرين: اسرائيل و ايران* رمضان الرواشدة

عروبة الإخباري – تواجه المنطقة العربية خطرين شديدين لا يقلان عن بعضهما ،ويهددان الأمن القومي …

اترك تعليقاً