من شبه المؤكد أن أياً من التنظيمات الستة المدرجة على القائمة السعودية التي تحاكي القائمة الأميركية الخاصة بالمنظمات الإرهابية، لم يتفاجأ بالقرار الصادر كقانون بمرسوم ملكي هذا الأسبوع. وأحسب أن سائر المحلقين في فضاء التطرف السني والشيعي، قد نظروا إلى هذا القرار كتحصيل حاصل، وأذعنوا صامتين لأمر قوننت الرياض بموجبه سياسة متبعة منذ أمد، من دون إعلان رسمي وتشريع نافذ.
غير أن التنظيم السابع الذي وصمته المملكة العربية السعودية بالإرهاب، ووضعته في قلب القائمة، ونعني به جماعة الإخوان المسلمين، كان هو التنظيم الوحيد بين أقرانه الستة من صدمه القرار الذي فاق أسوأ التوقعات لدى حركة إسلامية واسعة الانتشار، اشتغلت طويلاً على تظهير صورتها العامة كصاحبة نهج وسط وخط اعتدال، وعملت ببراعة على تنقية عباءتها من كل مظاهر الغلو الديني، وتهم العنف والإرهاب المحيطة بها من كل حدب.
ولعل هذا التصنيف لجماعة الإخوان المسلمين من جانب بلد الحرمين الشريفين، أشد وطأة على الجماعة من التصنيف المماثل لها في البلد الأم؛ أي في مصر التي شهدت تمكّن “الإخوان” بعد سعي دام ثمانين عاماً، من الجلوس على سدة الحكم في أهم البلدان العربية، ثم عودتهم إلى السجون وعهد الملاحقات من جديد في غضون سنة واحدة، حصد فيها التنظيم الدولي للإخوان معظم جوائز “أوسكار الربيع العربي”، قبل أن يسقط في امتحان التجربة، ويفشل في الاختبار على رؤوس الأشهاد.
من المنطقي الافتراض أنه لو لم تتمكن الموجة الثورية المصرية الثانية من اقتلاع “الإخوان” من قصر الاتحادية، لما كان مقدراً للمملكة السعودية أن تُصدر هذا التصنيف بحق جماعة تتربع على عرش مصر، وتكاد تمسك بتلابيب الحكم في بعض الأمصار الأخرى. الأمر الذي يبدو فيه قرار الرياض اللاحق وكأنه تتمة لقرار القاهرة السابق، حتى لا نقول إن القرار الأول كان شرطاً موضوعياً لصدور القرار الثاني. وهو ما يفاقم من جسامة الخسارة الكبرى التي لحقت بالتنظيم العابر للحدود، على أيدي البلدين العربيين الأكثر أهمية في النظام الرسمي العربي.
على هذه الخلفية، فإنه يمكن القول إن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية من جانب هذين البلدين الكبيرين، سوف يدشن عهداً جديداً في مسار الجماعة التي استبدت بها شهوة السلطة في حكم مصر، فأخافت الشعوب الأخرى من عقابيل تكرار التجربة الفاشلة في ديار عربية مماثلة، لاسيما في قطاع غزة. وهو الأمر الذي منح السعودية الذريعة السياسية الملائمة لإتمام الخطوة التي بدأت في القاهرة، ووسع من مساحة الأرضية المشتركة بين العاصمتين المتحالفتين ضد ما اعتبرتاه خطراً مشتركاً يحيق بهما.
وليس من شك في أن الحسابات المصرية المتصلة بقرار حظر “الإخوان” وتصنيفهم كحركة إرهابية، أكثر بساطة من الحسابات السعودية المعقدة، إزاء جماعة لا يبدو أنها قادرة في المدى المنظور على تهديد عرش العائلة الحاكمة. الأمر الذي يدعو إلى الاعتقاد أن هناك مدخلات طرأت مؤخراً على الرؤية السعودية، ليس فقط إزاء وضع داخلي تنمو فيه مظاهر التشدد الذي بذر الإخوان المسلمون بذوره الأولى في زمن التحالفات القديمة، وإنما أيضاً حيال وضع إقليمي متغير، يتماهى فيه الإخوان المسلمون أكثر فأكثر مع مشروع إيراني يستهدف أوضاعاً عربية هشة تحيط بالسعودية من كل جانب.
لذلك، لم يكن محض صدفة أن تشتمل القائمة السعودية على حركات إرهابية من الإسلام السياسي في كلتا ضفتيه؛ السنية والشيعية، بما في ذلك التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، والتنظيم الدولي لحزب الله في لبنان واليمن والبحرين والعراق. الأمر الذي يشير إلى مدى عمق التحول في النهج السعودي الذي ظل يتسم بالصمت والصبر والحكمة في معالجة المتغيرات من حوله، قبل أن يفيض به الكيل، ويخرجه عن تقاليده القديمة، ويحمله على الإمساك بزمام المواجهة الكبيرة في معركة قد تكون قاسية ومكلفة خصوصاً لجماعة مطاردة، ليس لديها العدة اللازمة، ولا المسوغات الكافية، لشن حرب دعائية ضد الرياض تشابه حربها ضد القاهرة.
عيسى الشعيبي/القائمة السعودية “1+6”
21
المقالة السابقة