اعتماد دول أوروبا على الغاز الروسي الذي يمثل ٣٠ في المئة من طلب أوروبا على الغاز يعقد لجوء أوروبا إلى مقاطعة الغاز الروسي خصوصاً بالنسبة لألمانيا ولكن هناك بدائل لهذا الغاز. فأوروبا استوردت في السنة الماضية حوالى ١٦٠ بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي الذي ينقل عبر أنابيب غاز الشركة الروسية «غازبروم» ونصف هذه الكميات تمر عبر أنبوب أوكرانيا. والباقي يمر عبر أنبوب الشمال عن طريق بحر البلطيك إلى ألمانيا. ولكن سيطرة القوات الروسية على القرم واحتمال توسيع ذلك إلى مناطق أخرى في أوكرانيا قد يدفع الأوروبيين إلى البحث عن مصادر أخرى لغازهم وهنا قد تستفيد بعض الدول العربية المصدرة للغاز من ذلك. فبولونيا في قيد إنشاء مرفأ ومصنع للغاز القطري الطبيعي كما أنها سمحت لشركات عالمية بالبحث عن الغاز الصخري على أراضيها. وكميات الغاز الجزائري التي انخفضت إلى أوروبا بسبب انخفاض سعر الغاز في السوق العالمية ورفض الجزائر التكيف مع هذه الأسعار قد تزداد إذا قررت دول أوروبا تقليص مشترياتها من «غازبروم» التي كانت توقعت السيطرة على ثلث الأسواق الأوروبية في غضون عشر سنوات.
إن مما لا شك فيه أن عرض الرئيس بوتين عضلاته للسيطرة النهائية على أوكرانيا قد يؤثر في روسيا اقتصاديا في شكل كبير إضافة إلى عزلها عالمياً. إن دعم بوتين لنظام بشار الأسد في سورية مقابل ليونة تعامل الرئيس الأميركي أوباما معه والصبر على تصرف بوتين في القضية السورية دفعه إلى اعتبار أن بإمكانه العودة إلى الدور الروسي الذي كان في ظل الاتحاد السوفياتي. إلا أن أوكرانيا ليست سورية فهي على أبواب أوروبا. ولا يمكن أن تبقى الإدارة الأميركية و «الناتو» مكتوفي اليد إزاء ما يفعله بوتين حتى ولو أنها لا تريد حرباً معه. ستكون حرباً اقتصادية تؤدي إلى سقوط بوتين. وما يقوم به بوتين في أوكرانيا يعيد إلى الذاكرة ما قام به نظام الراحل حافظ الأسد والابن بشار في لبنان. كأن بوتين أخذ الدروس من حافظ الأسد الذي أدخل قواته إلى لبنان بحجة تلبية دعوة رئيسه مثلما فعل بوتين في القرم. فاللبناني الذي يشهد ما يفعله بوتين في أوكرانيا يستعيد كل تاريخ نظام آل الأسد في لبنان. فماذا بعد سيطرة بوتين على القرم وأوكرانيا؟ إن الصبر الأميركي والأوروبي على روسيا قد ينتهي وعزل بوتين سيؤثر في دور روسيا الدولي وان مثل كلفة اقتصادية لأوروبا بالنسبة لاستيراد الغاز. فهناك مصادر أخرى للغاز ممكنة ولو أنها بكلفة أكبر. فالموقف الأميركي من بوتين إزاء سورية بشار الأسد سيشتد وسيصعب على أوباما الصبر والتحدث مع روسيا في الملف السوري. إن مما لا شك فيه أن سيطرة روسيا على أوكرانيا ستكون خسارة كبرى لبوتين على الساحة الدولية لأنه دخل حرباً باردة مع مجموعة الثماني و «الناتو» لا يمكنه الانتصار فيها بل إنه سيخسر ما كان ربحه في تعاونه مع أوباما لمنع الضربة العسكرية على قواعد النظام السوري في الصيف الماضي.