أجرى اخيراً أحد أبرز المتابعين المُزمنين للعلاقة بين أميركا وسوريا الأسد، تقويماً لسياسة الأولى حيال الثانية بعد الثورة التي اندلعت فيها، وبعد فشل “جنيف 2” في إقناع النظام والثائرين عليه بالتوصل الى تسوية سياسية انطلاقاً من بيان “جنيف 1”.
الى ماذا انتهى التقويم المشار اليه؟
الى الآتي: “علّقت أميركا آمالاً كبيرة على مؤتمرَي جنيف الأول والثاني. لكنهما فشلا مثلما فشلت “سياسة تدخّل الحد الأدنى” التي انتهجتها هي. كان واضحاً منذ البداية أن المصالحة بين النظام والمعارضة مستحيلة وخصوصاً بعد المجازر التي ارتُكبت. ورغم ذلك فشل المسؤولون في واشنطن في فهم دينامية الذي كان يجري في سوريا ولا يزال. أَمل هؤلاء أن يفاوض الرئيس بشار الأسد بنية طيبة للتوصل الى تسوية. لكنهم أخفقوا في فهم حقيقة يُفترض أنها واضحة، وهي أنه لن يفاوض أبداً على تنحّيه أو على ما من شأنه إضعاف سيطرة الطائفة التي ينتمي اليها على سوريا. وهو أساساً اشترك في جنيف 2، آملاً أن يفاوض على “بازار”، أي صفقة تنتهي بوقف لاطلاق النار وبالسماح بإدخال مساعدات إنسانية الى الشعب السوري، وببقائه حاكماً لبلاده على رأس النظام. علماً أن هناك سبباً آخر لاشتراكه فيه هو شعوره بعدم قدرته على الذهاب أبعد من “سياسة الحد الأدنى” الأميركية. طبعاً تُجري الآن واشنطن مراجعة شاملة لسياستها حيال سوريا، بل حيال المنطقة كلها. لكن الأمل ضئيل في انتهاء المراجعة الى سياسة أكثر جدية وانخراطاً، إلا إذا فهِمت الادارة التي يترأسها باراك اوباما، ديناميّات ما يجري في سوريا”.
الى ماذا استند المتابع المُزمن للعلاقة بين أميركا وسوريا الأسد لإجراء تقويمه وللوصول الى الاستنتاج المذكور اعلاه؟
الى خبرته بسوريا ونظامها نتيجة التعامل الوثيق معهما سنوات طويلة. ولذلك فهو يقول: “أتذكّر جيداً ما قاله لي مرة أحد المسؤولين الذين كنت ألتقيهم في دمشق. قال: “فعلنا ما فعناه عام 1982 في حماه (القضاء على “الاخوان المسلمين” فيها وبطريقة تسبّبت بسقوط آلاف القتلى والجرحى وباعتقال آلاف آخرين) لتوجيه رسالة الى الغالبية (السنّية) في المدن السورية الكبرى الأخرى تفيد أننا على استعداد لتدميرها اذا ثارت علينا”. وكوّن كلامه انطباعاً عندي يفيد أن طائفة الرئيس الأسد كانت تعيش حال خوف من ثورة كهذه. ولهذا السبب تصرف نظامه بعنف كبير جداً عندما بدأت التظاهرات الشعبية المعارضة له تجوب شوارع دمشق. وأعتقِد أن الأسد ارتكب بذلك خطأ فادحاً. كلُّنا نعرف مدى الانقسامات في صفوف الغالبية الشعبية السورية المعارضة سابقاً وحالياً. وكلُّنا نعرف التنافس الى درجة الصراع احياناً بين قادتها المنتمين الى المدن الكبرى حيث أكثرية السكان سنّية. وكلُّنا نعرف أن ذلك كله سيمنعها من التوصل الى وحدة ما. وهذا ما تسبّب بفقدان الغالبية السيطرة على البلاد بعد نحو سبعة عشر انقلاباً أو محاولة انقلاب. في اعتقادي، كان على الأسد دعوة المعارضة المتظاهرة سلمياً، وبسبب نقاط ضعفها المذكورة أعلاه، الى التفاوض وإعطاؤها موافقته على اصلاحات مثل حرية تأليف أحزاب مع استثناء “الاخوان” من ذلك، وحرية التظاهر، ولكن بعد الحصول على ترخيص رسمي بذلك. لكنه لم يفعل. كما فات الوقت على ذلك. الأسد يعتقد أنه قادر على الربح، أي على استعادة السيطرة على غالبية المدن السورية الكبرى وعلى تجاهل الأرياف التي تبقى تحت سيطرة الثوار. ويعتقد أيضاً أنه لن يذهب أبعد من “سياسة الحد الأدنى” الأميركية. لكن ذلك لا يبدو سهلاً لاعتبارات كثيرة. فالصراع الدائر في بلاده سيستمر. وقد يكون على أميركا تغيير سياستها حياله. وربما يجري ذلك الآن أو سيجري قريباً، بعدما عاد أوباما الى الاهتمام بالسياسة الخارجية وقضاياها لاعتقاده أنه لم يعد يستطيع أن يفعل الكثير على صعيد قضايا الداخل”.
وانهى المتابع الأميركي المُزمن نفسه تقويمه بالقول: “حكومة المصالحة الانتقالية لم تعد ممكنة. وأنا لا أرى الأسد والمعارضة يعيشان كلاهما مع الآخر سلمياً. ربما لم يحن بعد وقت الحديث عن التنازل عن السلطة أو عن النموذج الكونفيديرالي السويسري في سوريا وحتى عن تقسيمها. فأنا أعرف أن الأسد لن يثير هذه الأمور، لكنه سيقبل أياً منها اذا فرضه تدخّل عسكري واسع خارجي. طبعاً أميركا لن تقوم بتدخل كهذا. لكن يجب عدم تجاهله وخصوصاً اذا كان الوحيد الذي يوقف حمامات الدم، ويمنع أزمة سوريا من الانتشار في العالم الاسلامي، ومن اطلاق الحرب السنّية – الشيعية فيه على نطاق واسع.