عندما قال فلاديمير بوتين ان سقوط الاتحاد السوفياتي هو اكبر مأساة في التاريخ المعاصر، كانت خسارة اوكرانيا التي استقلت عام ١٩٩١ في ذهنه، والتي طالما مثّلت اهراء روسيا وبوابتها الى الغرب، ففي التاريخ المعاصر ما يعطي اوكرانيا مكانة مميزة في الوجدان الروسي، ومنذ قام نيكيتا خروتشوف بمنحها شبه جزيرة القرم عام ١٩٥٤، بات ينظر اليها كجزء حميم من روسيا!
واذا كانت اوكرانيا قد صنعت “الثورة البرتقالية” التي ألهمت العالم عام ٢٠٠٠، وهي الثورة المستعادة الآن والتي ابعدت رجل موسكو فيكتور يانوكوفيتش المختبئ في خاركيف قرب الحدود الروسية، مكرراً ما تعلنه موسكو من ان ما حصل انقلاب قام الغرب بتمويله وبتسليح المعارضة مع ان المعارضة لم تطلق رصاصة واحدة، فان هناك مخاوف حقيقية عميقة من ان تواجه اوكرانيا تجربة تشيكوسلوفاكيا، التي انقسمت دولتين، او على الاقل تجربة المانيا التي كانت مقسّمة، بحيث يقوم جدار كييف بعد جدار برلين المدمّر!
يقع غرب اوكرانيا على حدود بولونيا حجر العقد الذي هدم الامبراطورية الشيوعية، والتي صارت عضواً في الاتحاد الاوروبي الذي يتوق اليه اهالي غرب اوكرانيا الذين يتحدثون لغتهم الخاصة، بينما يتحدث اشقاؤهم في الشرق على الحدود الروسية لغة الروس الذين ينظرون الى اوكرانيا كمهد لحضارتهم الروسية، وعلى خلفية كل هذا من الصعب الاعتقاد بأن بوتين سيسلم بما جرى وادى الى انهيار يانوكوفيتش، على رغم عملية التصويت في البرلمان الاوكراني التي اعادت يوليا تيموشنكو قلادة الثورة البرتقالية من السجن الى الميدان!
يصعب التصديق على خلفية الموقف المتصلب الذي يتخذه بوتين في سوريا البعيدة، حامياً ومسلحاً النظام الذي دمر البلاد وقتل اكثر من ١٥٠ الفاً وشرّد الملايين تحت مظلة رعايته الدموية البغيضة، فكيف بالنسبة الى اوكرانيا التي تمثل سيكولوجياً عقر داره، كما ستمثّل دائماً نافذة كبيرة تهب منها رياح التغيير الذي يتوق اليه الكثيرون حتى في الداخل الروسي ايضاً؟
يصعب هذا إلا اذا كان بوتين اسداً في سوريا ورعديداً على طريقة يانوكوفيتش الهارب في اوكرانيا والذي حاول السفر مقابل رشوة فمنعه الجيش الذي يقف على الحياد، ولعل الفرق يكمن هنا بين الجيش الاوكراني الواقف على الحياد والجيش السوري المنهمك في تدمير البلاد وقتل الشعب منذ ثلاثة اعوام، وان كان قد انشق عنه الكثيرون ليدخل النظام الايراني لدعمه مباشرة وعبر أذرعه العسكرية اللبنانية والعراقية!
الحل الوسط الذي سعت اليه موسكو مع المانيا وفرنسا وبولونيا لم يمنع اطاحة يانوكوفيتش، ليبقى السؤال: هل تذهب اوكرانيا الى انتخابات مبكرة في ايار أم الى الانقسام؟ في الحالين الرياح الاوكرانية ستعصف بشدة في نوافذ الكرملين بعد اليوم!
rajehkhoury@annahar.com.lb