قبل أن أجيب الجهات العليمة بالمرجعية الشيعية في النجف الأشرف عن سؤالها: هل إيران فعلاً تريد التوصل إلى تفاهم استراتيجي مع أميركا؟ أضافت: “نحن نعتقد أنها تناور أو تضيع الفرصة، كما فعلت قبل انتهاء حربها مع العراق عام 1988، إذ كان واضحاً أنها لن تربح أو لن تدعها أميركا تربح. ورغم ذلك استمرت، فوجدت نفسها مضطرة إلى تجرّع سم قرار مجلس الأمن الذي أوقف الحرب. كان يجب أن يتخذ الإمام (الراحل) الخميني قرار وقفها قبل تعرّض إيران إلى دمار وإلى خسارة آلاف من شبابها. لكنه لم يفعل ذلك إلا عندما اضطر إليه”. أجبتُ معلقاً: يبدو واضحاً أن الحوار الأميركي – الإيراني يتركز على الملف النووي، ويحتاج إلى سنة على الأقل لإنجاز أهدافه، إذا لم تعترضه صعوبات وعقبات، وذلك محتمل. أنا أعتقد أنه سينجح، ولا أعتقد أن إيران تناور. لا تنسَ أن وضعها الإقتصادي صار صعباً بعد سنوات من العقوبات الأميركية والدولية. ولا تنسَ أن شعبها بدأ يتذمّر بسبب ذلك، ويعترض على السياسات التي انعكست ضيقاً معيشياً عليه. وكان انتخاب الشيخ حسن روحاني رئيساً للجمهورية قبل أشهر ومن الدورة الأولى، رغم أنه لم يكن مرشح الولي الفقيه، إشارة جدية لواقع الحال في الداخل الشعبي، فالتقطها خامنئي ورحّب بروحاني رئيساً وبارك مواقفه وخطواته ولكن بحذر. سألَت الجهات العليمة بالمرجعية الشيعية إياها: “لماذا قَبِلَ خامنئي أن تنخرط إيران في حوار حول ملفها النووي مع أميركا، وأن ينتهي إلى تفاهم”؟ أجبتُ: يجب عدم استعادة تجربة الرئيس الأسبق محمد خاتمي مع الولي الفقيه خامنئي للحكم على تجربة التعايش بين الأخير والرئيس الحالي روحاني. أولاً روحاني غير خاتمي. هو جزء من النظام ومؤسساته. وخاتمي كان مع الثورة لكنه لم يكن جزءاً من مؤسساتها. فضلاً عن أن فوزه شكّل تحدياً للولي الفقيه وللنظام كما يراه وكما أسسه الخميني، وخصوصاً بعدما انخرط مع مؤيديه كل المعادين للثورة الإسلامية والمعترضين على مواقف أساسية لها. ثانياً أبلغ روحاني إلى خامنئي أنه سيستمر في نهجه المنفتح على أميركا والعالم رغم الانتقادات بموافقته. وقد أعطاها. وعندما يقرّر الولي الفقيه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في النظام الإسلامي الإيراني ضرورة التوقف عن ذلك كله فإنه سيمتثل”. علّقَت الجهات إياها: “لكن هناك خطوط متعارضة داخل إيران. كما هناك تناقض بين نهج روحاني وجهات إيرانية عدة”. قلتُ: من الطبيعي أن تكون هناك خطوط وأن تختلف. لكنها لن تصل إلى حد التصادم في رأيي. السيد خامنئي هو المقرر الوحيد، وقد يكون في ما يجري شيء من توزيع الأدوار. قالت: “حدثني عن رأيك في اعتقادنا بضرورة حصول حوار سعودي – إيراني”. قلتُ: الصراع الكبير ليس إيرانياً – سعودياً في رأيي رغم العداء الكبير بينهما. إنه بين أميركا وحلفائها من جهة وإيران من جهة أخرى. السعودية لم تخض في حياتها معركة مكشوفة كالتي تخوضها اليوم. عندها قلق وتعتبر أن إيران تشكّل تهديداً جدياً لها. لكن اجتماعها مع إيران لن يحل المشكلة، وخصوصاً في ظل الصراع المشار إليه أعلاه لأن هناك عدم تكافؤ بين قوتيهما، وهناك حروب مشتعلة في المنطقة، وقد تشتعل حروب أخرى. ولإيران دور في بعضها أو في معظمها. وهناك حوار إيراني – أميركي بادىء. لكنه سيكون على الحامي أي لن يوقف الحروب. وعندما يصل إلى خواتيمه تجمع أميركا الأطراف المختلفين في المنطقة بل المتقاتلين من سنّة وشيعة من أجل مواجهة الإرهاب الإسلامي السنّي الذي يسميه كثيرون تكفيرياً. سألتْ: “على ماذا ستكون الصفقة بين أميركا وإيران؟ إيران تريد إنجازاً نووياً. لماذا توقِّع صفقة مع أميركا من دونه؟”. أجبتُ: إيران أصبحت دولة نووية. كانت تظن أن معها وقتاً لكي “تظمط” بإنجاز نووي نهائي قبل أن تنفِّذ أميركا أو إسرائيل أو الاثنتان عملاً عسكرياً ضدها، لكن ظنها لم يكن في محله. سألَتْ: “ماذا عن العراق؟” أجبت: لا أعرف. ما أعرفه استناداً إلى ما يحصل في المنطقة أن نظاماً إقليمياً عمَّر قرابة مئة سنة انهار وسيقوم آخر على انقاضه. وما أعرفه أن إيران صارت في موقع دفاعي وان مشروعها الإقليمي (طهران – بغداد – دمشق – بيروت – فلسطين) صار في خطر كبير بعد تمزّق ورقة سوريا في يدها واحتمال انعكاس ذلك سلباً على “لبنانييها”، وبعد خروج الفلسطينيين من قبضتها (حماس). ربما يبقى العراق مدى حيوياً لإيران أو دولة تمارس نفوذها فيها. لكن السؤال الذي أطرحه هنا هو: أي عراق؟ العراق الواحد المركزي، أو العراق الفيديرالي أو العراق المقسَّم دولاً؟
sarkis.naoum@annahar.com.lb