أن يكون الأردن رابع أفقر دولة في المياه في العالم، فهذه قضية بالغة الخطورة إلى درجة الأزمة الكبرى. فنصيب الفرد في بلدنا من المياه هو في حدود (120) متراً مكعباً في السنة، في حين أنه (1550) مترا مكعبا في الولايات المتحدة الأمريكية، و(817) في سورية، و (550) في تركيا و (282) في إسرائيل. و علينا أن نتذكر دائما أن التغيرات المناخية و لسنوات عديدة ستدفع عاماً بعد عام باتجاه مزيد من الجفاف، وارتفاع درجة الحرارة، وقلة الأمطار. وفي عين الوقت، فإن تزايد السكان في الأردن بنسب كبيرة بسبب حالات الهجرة واللجوء من جهة، وبسبب الاحتياجات المائية المتزايدة من جهة أخرى، يفاقم من المشكلة إلى حدود غير محتملة، ولا يمكن السكوت عنها، و لا بدّ من التفكير والإبداع والشروع في حلول جديدة وفي وقت مبكر.
ومع انه ليس هناك من حل فوري أو وحيد لمسألة شح المياه وما يرافقها من جفاف و تصحر، إلا أن حزمة من الإجراءات والبدائل ينبغي أن تعمل في سياق واحد، و بالتزامن إنْ أمكنَ ذلك. الأول: حسن الإدارة، وتقليل الفاقد من المياه، سواء كان ذلك بسبب السرقة أو التعدي، أو بسبب قدم الشبكة والحاجة إلى تجديدها وتطويرها. أما الإدارة فإنه رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة المياه ومؤسساتها، فإن الموضوع ربما يتطلب تركيزا أكبر و تعاونا أوسع من المؤسسات ذات العلاقة. وهناك مفردات فنية و إدارية ينبغي تطويرها وتحسينها بشكل جذري. الثاني: تكنولوجيا حفظ المياه ،ابتداء من المعدات والتركيبات والشبكات والوصلات، وانتهاء بالتصاميم الهندسية للمشاريع والمساكن، والتي تساعد على حفظ المياه أو إعادة استعمالها. وهذه ينبغي أن تصبح جزءا لا يتجزأ من أنظمة تزويد واستعمال المياه. الثالث: تدوير المياه. حيث نلاحظ أن المعلومات حول تدوير المياه ليست كافية وليست واضحة. كم هي نسبة المياه التي يعاد تدويرها وكيف يمكن زيادة حجومها؟ وهل هناك تعليمات تنظم ذلك؟ هل المؤسسات والشركات والمرافق الكبيرة والمتوسطة والجامعات والمدارس ملزمة بحكم القوانين أو الأنظمة بإعادة تدوير المياه واستخدامها في الصناعة أو الحدائق أو الزراعة؟ و متى يكون لدينا معاهد تكنولوجية و كليات هندسية متخصصة لكافة متطلبات المياه؟- وهل نحن في مستوى الدول التي تعطي أهمية لتدوير المياه؟ فبينما تستخدم تركيا (3.6%) من مياهها مرة/ ثانية فإن نسبة إعادة تدوير للمياه تصل في اسبانيا إلى (12%) في حين تكرر إسرائيل (70%) من المياه العادمة ليجري استخدامها في الزراعة. والأمر لا يقتصر على الدول الشحيحة الموارد في المياه. بل إن إعادة التدوير في سويسرا تصل إلى (52%) وفي النرويج (40%) وغيرها الكثير. الرابع: مشاريع تحلية المياه. و التي لا بد من التوسع الفوري فيها، ابتداء من مياه البحر وانتهاء بالمصادر المحدودة مثل: الينابيع المالحة، أو غيرها. وبالنسبة لنا ،فإن تحلية مياه البحر عند خليج العقبة ينبغي البدء بها فوراً، و دون الانتظار إلى حين إنشاء محطة الطاقة النووية التي لا يدري احد أين ستستقر و متى ستكون عاملة ولا ما هي حالة المياه حينئذ؟. وكذلك دون انتظار الانتهاء من مشروع قناة البحرين والذي من شأنه أن يخضع لتغيرات غير معلومة حتى الآن. ذلك أن انتظار هذه المشاريع للحصول على الطاقة الرخيصة اللازمة، لم يعد له ما يبرره بعد التطور التكنولوجي والاقتصادي الهائل الذي تحركت به الطاقة الشمسية. إن مشاريع تحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية يمكن أن تكون جاهزة للعمل خلال (24) شهرا وباستثمارات يتولاها القطاع الخاص ومن خلال شركات مساهمة عامة وطنية. الخامس: هو المشاريع الإقليمية من خطوط نقل وقنوات، وهذه بطبيعة الحال تحكمها التعقيدات السياسية والاقتصادية الإقليمية، وتستغرق سنوات لا يستطيع أحد أن يتنبأ بها. و بالتالي لا يجوز بناء أي برنامج وطني على أساسها. السادس: هو الاستمطار. وهو مصدر هام ولكنه مهمل تماما. صحيح أن إنزال الأمطار من السحب المحملة ببخار الماء من خلال ضخ يوديد الفضة أمر تم اكتشافه منذ أكثر من مئة عام، إلا أنه وصل إلى مستوى تكنولوجي متقدم يجمع بين الاعتمادية العالية و التحملية الاقتصادية حتى للدول النامية.أما إقبال الدول عليه فيرتبط بمدى احتياجها للماء، وحسب تعدد البدائل الأخرى المتاحة. وهناك دول تعطيه أهمية كبيرة. و بالنسبة لنا في الأردن فإن الحاجة إلى استخدام تكنولوجيا الاستمطار تكاد تكون أشد من أي بلد آخر في العالم. وإذا كان الاستمطار لا يتوقع منه زيادة كميات المياه المتاحة للاستعمال المباشر، إلا أن تأثيره في زيادة الإنتاج الزراعي، وتعويض نقص الأمطار في بعض منها كالزيتون والقمح والشعير والحبوب الأخرى، إضافة إلى مكافحة التصحر و تخفيف حدة الجفاف و تحسين المناخ، أمر لا ينبغي الاستهانة به أبدا.
ويكفي أن نتذكر هنا، أن اعتماديتنا على الاستيراد من الحبوب والبقوليات المستوردة تصل إلى أكثر من (90%)، وفي القمح بالذات لا ننتج أكثر من 3% من احتياجاتنا. ولا سبيل إلى زيادة الإنتاج إلا من خلال زيادة كميات المياه المتاحة. واستمطار السحب هو الطريق العلمي التكنولوجي الصحيح. لقد سبقتنا دول كثيرة في هذا الموضوع ابتداء من الولايات المتحدة الأمريكية رغم كل ما لديها من مياه ومرورا باسبانيا والصين والهند واستراليا و روسيا، وانتهاء بأفريقيا جنوب الصحراء في النيجر ومالي و بوركينا فاسو و غيرها. و المهم في كل هذا أن الكلف الرأسمالية اللازمة لهذه المشاريع متواضعة ولا تتعدى الملايين القليلة من الدنانير.
والسؤال من هو المسؤول عن كل ذلك؟ وزارة المياه أم وزارة الزراعة؟ أم وزارة البيئة؟ كل هؤلاء مسئولون، ولا يعقل أن تستمر أمور المياه والزراعة هكذا، دون انجازات وتدخلات تكنولوجية متقدمة تعامل معها العالم منذ (100) عام، ونحن لا زلنا نتأرجح بين الانتظار والترجي من جهة، وبين البحث عن المشاريع العملاقة التي تستغرق سنوات وسنوات وقد لا تتحقق من جهة ثانية.
وأخيرا لقد حان الوقت لأن تقوم الوزارات المعنية، بل رئاسة الوزراء بتكليف شركات متخصصة بإنشاء مراكز لهذه الغاية، وتخصص جزءا يسيرا من الموازنة أو حتى المساعدات الخليجية التي لم يتوافر لدينا مشاريع كافية للإفادة منها، تخصصها لهذا المشروع الحيوي. ولا شك أن قواتنا المسلحة لديها إمكانات متميزة للمساعدة في مثل هذه المشاريع .
لقد اعتاد الأردنيون تاريخيا أن يلوموا الحكومة و رئيسها حين تنحبس الأمطار، و لكن اللوم يصبح مستحقا، في القرن الحادي والعشرين، حين لا تلجأ الحكومة بمؤسساتها إلى توظيف العلم والتكنولوجيا الحديثة الرخيصة في إطلاق الأمطار. إن صلاة الاستسقاء مفيدة حين تقترن بالعمل والعقل والعلم. فالله غالبا ما لا يستجيب لمن يلجأ إلى القول و يتناسى دور العلم والعقل والعمل والاستثمار في حل المشكلات التي تواجه الناس. إن المياه و إنتاج الغذاء مسألة غاية في الخطورة، والاستمطار تكنولوجيا معتمدة، وإن التصميم على عدم الإفادة من تجارب الدول في الوقت المناسب، من شأنه أن يؤثر على المستقبل المشرق الذي تتطلع إليه الأجيال.