الزيارات الرسمية لرؤساء الدول الى الولايات المتحدة بدعوة من رئيس القوة العظمى في العالم لها دائماً رونق خاص لأن الرئيس الأميركي أياً كان هو على رأس القوة الأكبر والأهم عالمياً. واكتسبت زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند امس الى واشنطن حيث استقبله باراك اوباما بالحفاوة المعهودة لضيوف الدولة الأميركية اهمية خاصة للجانب الفرنسي الذي تلقى منذ بضعة اشهر صفعة من ديبلوماسية اوباما عندما اتصل يوماً بهولاند مبلغاً اياه بقرار الذهاب معاً لضربة عسكرية على سورية ثم تراجع في اليوم الثاني محرجاً الرئيس الفرنسي امام رأي عام داخلي مستاء في غالبيته من سياسة رئيسه. فقد عوض اوباما بحفاوة لافتة اظهرها لضيفه الفرنسي.
ولكن رغم هذا الاستقبال الباهر هناك اختلاف في ديبلوماسية البلدين. اذ ان ديبلوماسية مد اليد التي يعتمدها اوباما نحو دول مثل روسيا وإيران غير فاعلة مع دول بأنظمة قمعية ومهيمنة تريد استعادة قوتها الإقليمية في منطقتها. فباريس تعتبر ان تسوية الملف الكيماوي السوري التي تمت بين الولايات المتحدة وروسيا والتي اعطت العذر لأوباما ان يتراجع عن الضربة العسكرية على النظام هي غير كافية. فالتزام اوباما بالضغط على روسيا بشأن التوصل الى هيئة انتقالية في سورية من دون الأسد يبدو ضعيفاً حتى انه غائب لولا مواقف وزير خارجيته جون كيري الأكثر التزاماً وأكثر قوة من موقف اوباما المتراجع في الضغط على روسيا. فقبل الألعاب الأولمبية في سوتشي كان بإمكان اوباما ان يمارس ضغطاً كبيراً على بوتين عبر قضية أوكرانيا وفرض العقوبات على رئيسها التابع لبوتين. ولكن اوباما اعتمد دائماً سياسة ضعيفة مع رئيس قوي. ها هو الآن وضيفه الفرنسي يبحثان عن التوجه الى مجلس الأمن من اجل قرار لإجبار النظام السوري على تنفيذ ما هو مطلوب منه على صعيد الشؤون الإنسانية للشعب السوري. ولكن الاثنين يعرفان تماماً ان بوتين سيضع الفيتو على القرار ولكنهما يعتبران ان ذلك يمثل هامش ضغط على روسيا لتحمل مسؤولية كارثة انسانية في سورية. ولكن بوتين لا يبالي لأنه يعرف انه العنصر الأقوى في المعادلة طالما بقي اوباما يمد اليد ويتبع سياسة ضعيفة. لذلك مصير نتيجة مسار جنيف محكوم بالفشل لأن لا خطة اميركية واضحة بالنسبة لاستمرار روسيا على موقفها من ترشح بشار الأسد للانتخابات الرئاسية المقبلة وبقائه في الحكم. وسياسة مد اليد مع طهران أيضاً غير فاعلة مع نظام سيبقي على الأقل خمسة في المئة من قدرته على تخصيب اليورانيوم ما يمكنه بكل الأحوال من تطوير القنبلة والبقاء كقوة رادعة إقليمياً. اضافة الى ذلك اذا تم تطبيع العلاقة مع ايران بعد الاتفاق النووي الإيراني وأوباما مصر على انهائه حتى ببعض التنازل فماذا عن سياسة ايران في سورية ولبنان مع «حزب الله» والعراق ودول الخليج؟ فأوباما وهولاند يظهران تفاهماً وحلفاً قوياً في هذه الزيارة ولكن واقع الحال ان فرنسا كانت تمنت ان يكون اوباما اكثر تحركاً وأكثر ضغطاً للتوصل الى حل مع روسيا بشأن الوضع السوري. ومنذ بداية مسار جنيف كانت هناك تساؤلات فرنسية مبررة عن الخطة والاستراتيجية لكي يؤدي مسار جنيف الى نتيجة.
اما على صعيد الاقتصاد العالمي فإدارة اوباما ترى بقلق وضع فرنسا الاقتصادي وفشل هولاند في سياسته الاقتصادية. فأوباما يتمنى النمو في اقتصاد اوروبا للمساهمة في نمو الاقتصاد العالمي ولكن نتيجة سياسة هولاند على هذا الصعيد غير مطمئنة بالنسبة للحليف الأميركي. فصحيح ان اوباما اهتم باستقبال هولاند بحفاوة رموز التحالف التاريخي القديم. ولكن قضية حياة هولاند الخاصة وانفصاله عن شريكته السابقة فاليري تريرفيلير بسبب عشيقته الممثلة جولي غايي كانت الحديث المفضل لدى الإعلام الأميركي. فكانت الأسئلة قبل عشاء الدولة في البيت الأبيض من هي السيدة التي ستجلس الى يمين اوباما في غياب سيدة أولى فرنسية وهل سيكون العشاء حفلة راقصة كالتقليد في البيت الأبيض او سيمتنعون عن الرقص في غياب سيدة أولى فرنسية. فكل هذه الأسئلة كانت تطرح قبل عشاء الدولة في الإعلام الأميركي المحافظ في ما يخص الحياة الخاصة للرؤساء في الولايات المتحدة ويعتبر ان ما جرى مع هولاند من فضيحة مع شريكته السابقة والكشف عن عشيقة له موضوع غير مقبول أميركياً. فلا شك في أن هولاند ووفده سيتذكرون بسرور كبير هذه الزيارة اللامعة بالشكليات والاستقبال الجميل ولكن واقع الحال ان دبلوماسية اوباما المتراجعة في الخوض في ملفات اساسية كثيراً ما تعيق نفوذ الغرب وفاعليته في ملفات عديدة.
رندة تقي الدين/هولاند وأوباما
11
المقالة السابقة