من كان يظن ان اخفاقات الربيع العربي تثبت ان الشرق الأوسط غير مهيأ للديمقراطية فليراجع كلام مروان المعشر وزير الخارجية الاردني الاسبق. فالمعشر الباحث ورجل الدولة السابق كان احد الاصوات المعبرة عن التسامح في العالم العربي، ويرى في كتابه الجديد (الصحوة العربية الثانية ومعركة التعددية) انه من السابق لأوانه الحكم على محصلة الثورات العربية التي بدأت في 2011. فالعالم العربي كما يراه لم يجرب قط ثقافة الديمقراطية وبالتالي ليس من المتوقع ان يمر بعملية انتقالية في ثلاث سنوات.
التقيت المعشر لأول مرة عام 1991عندما كان متحدثا باسم الوفد الاردني في مباحثات مدريد للسلام، وعمل كأول سفير اردني لدى اسرائيل، فسفيرا لدى واشنطن، ثم نائبا لرئيس الوزراء، حيث قاد عملية الاصلاح السياسي في الأردن. وباعتباره مسيحيا في بلد مسلم لأب اردني من الضفة الشرقية وأم فلسطينية، ومن ثم كان أنسب من يتحدث عن ان الصحوة العربية الثانية لن تنجح ما لم تصبح الأنظمة السياسية أكثر ادماجا.
وحول تحليله للوضع في سوريا ومصر يعود بنا المعشر إلى الصحوة العربية الأولى التي بدأت في القرن التاسع عشر والتي اطاحت في النهاية بالحكم العثماني حيث ادت إلى ظهور لوردات استعماريين ثم حكام مستبدين قوميين وفروا استقرارا ظاهريًّا لعقود ثم ما ان رفع الغطاء حتى ظهرت كل القوى الموجودة بالساحة، والأمر يحتاج سنوات وربما عقود حتى تظهر النتائج. ثم انه رغم ظهور الإسلاميين بعد انتخابات تونس ومصر والميليشيات في سوريا الا ان العالم العربي برأيه لا يؤمن بالدولة الدينية، مشيرا الى ان المصريين انتخبوا الاخوان المسلمين للبرلمان والرئاسة ثم انقلبوا عليهم عندما فشلوا في توصيل الفوائد الاقتصادية. واوضح المعشر ان شعار الاسلام هو الحل كان رائجا قبل 2011 لأن الاسلاميين كانوا يزعمون انهم طاهرو اليد ومستبعدون، بينما الشعار لم يعد يحظى بقبول كبير اليوم، وما فشل حكام العرب في صنعه على مدار 50 عاما فعله الاسلاميون بأنفسهم في سنوات ثلاث.
ويدلل المعشر على ذلك بأن استطلاعات الرأي تظهر ان المصريين العاديين قد يكونون متدينين لكنهم صاروا يحكمون على الحكومة بحسب الاداء، والمعيار هو الاقتصاد، والشارع العربي يثبت ان دعمه للاسلاميين في مصر ليس مبنيا على الايديولوجيا.
بالمثل فإن زعماء القبائل السنيين في غرب العراق يقاتلون القاعدة كما هو الحال مع الميليشيات الاسلامية في شرق سوريا، فالصراع على الافكار من بعد 2011 في بدايته ولكن على الاقل هناك فرصة على حد قوله.
النقطة الثالثة التي يشير إليها المعشر هي ان العالم العربي ليس وحدة واحدة متراصة، فسوريا ستأخذ وقتا طويلا وكذلك العراق ولبنان، ولكننا لن نرى كل الحكومات العربية الجديدة يصادفها الفشل. في تونس حيث تم التصديق على دستور جديد يحظى بدعم العلمانيين والإسلاميين تعتبر حالة نجاح، حيث استطاع رئيس وزراء من الإخوان المسلمين واضعا نصب عينيه الانقلاب العسكري في مصر ان يتخلى عن السلطة طواعية.
فلما سألته عما اذا كانت تونس حالة فريدة بحسب قربها من اوروبا وارتفاع نسبة التعليم لدى شعبها بمن فيهم النساء، وان الاسلاميين هناك ما كانوا ليتعاونوا اذا لم يحدث انقلاب عسكري ضد اخوانهم في القاهرة، رد المعشر قائلا ان تونس تقدم مثالا فريدا لباقي دول العالم العربي حيث اثبتوا على مدار سنوات ثلاث انه من الممكن العمل مع العلمانيين بالتوافق وهو امر مهم. والحق ان تونس تثبت للاسلاميين والاستبداديين على السواء ان مصر ليست النموذج الوحيد، واذا كان الاخوان المسلمون في مصر يريدون ان ينجحوا فعليهم ان يتطوروا، اذ لا يمكنهم الاعتماد على الاسلام كحل، ولا يمكن للعلمانيين بالمقابل ان يستمروا في الاعتماد على الجيش، حسب تعبيره.
ويرى المعشر انه لو انتخب المصريون الجنرال عبدالفتاح السيسي رئيسا فسوف يتم الحكم على ادائه بلغة الاقتصاد وما يمكن ان يوصله، وهو لا يستطيع فعل ذلك ما لم يضمن استتباب الأمن، ولا يستطيع ان يحقق الامن ما لم يجد طريقة يعيد بها ادماج الاخوان المسلمين الذين يمثلون اقلية معتبرة في النظام العام.
وبعبارة موجزة يقول المعشر ان السلطة المطلقة لم تعد خيارا الآن، والطريق الوحيد امام الحكومات العربية قديمها وجديدها للحفاظ على السلطة هو تقاسمها، ولكن الأهم هو اقناع الناس بأن المعايير الديمقراطية ستقودهم إلى الاستقرار، وهو المناخ الجيد للاقتصاد.
من ناحيتي انا اعتقد ان كلام المعشر صحيح من حيث المبدأ، وهنا أتساءل اذا ما كان هناك قادة في المنطقة قادرين على اقناع الشعوب الخائفة بما في ذلك الاقليات المسيحية والشيعية بأن التعددية لن تهدد وجودهم. تونس لديها هذا النوع من القادة، أما مصر وسوريا والعراق حاليا فيفتقرون إليهم. دعونا نأمل في أن يظهروا يوما ما.
ترودي روبين* عضو هيئة التحرير بصحيفة فلادليفيا انكويرر خدمة ام سي تي