انقضى شهر على القرار الأخرق الذي اتخذه نوري المالكي بالعدوان العسكري على الأنبار حيث انطلقت العمليات في الثلاثين من شهر كانون أول الماضي بعد الهجوم على مضارب عشيرة البوعلوان واعتقال النائب المجاهد أحمد العلواني فك الله أسره، الحصاد واضح وجلي لكل ذي عينين، هو من جانب صمود أسطوري تضيفه الأنبار إلى سجلها المشرف وعلى وجه الخصوص الفلوجة الباسلة مجددا لتؤكد أصالتها ونقاء معدنها وعنفوانها ورفضها لسياسة فرض الأمر الواقع بالقوة حتى لو كان الثمن مدفوعا بالشهادة والدم والتهجير، ومن جانب آخر هزائم وخسائر فادحة تسجلها قوات المالكي المعتدية ، لم يشهدها تأريخ جيش العراق ولا سفره الخالد.
على العموم، تنوعت القوات المنتشرة على جانبي الميدان بين قوات تضم رجالا شجعانا من عسكريين سابقين محترفين ورجال عشائر كريمة وضعوا القضية في أواسط قلوبهم وحملوا المسؤولية على أكتافهم ونفروا نصرة للدين والنفس والعرض والكرامة بل للهوية، انطلقوا على بركة الله يحرصون على الشهادة قدر ما يحرص أعداؤهم على الحياة، مقاتلين من هذا الطراز كيف ينكسرون؟ محال.
وبين جيش أسس على هوى ودرب على خطأ وثقف على فرقة، كيف ينتصر؟ محال…
ربما يسأل البعض وماذا عن القاعدة وداعش؟ ولا أنكر وجودهما في مناطق متفرقة وخصوصا في الفلوجة، لكن على الرغم من كل التهويل الإعلامي المغرض فإن الغلبة لازالت وستبقى للعشائر ومتى رفع المالكي يده عن الانبار سرعان ما تنتهي هذه الظاهرة.
النصر في المعارك لا يتحقق فقط لمن يحمل سلاحا أفضل بل في المقام الأول من يملك جنديا أفضل، الميزة ليست للسلاح بل دائما للجندي العزوم الذي يحمل السلاح وهكذا غرته تكنولوجيا سلاح حديث بين أمريكي وروسي وظن المالكي أنه بهذا السلاح سينجح بكسر إرادة مقاتلين صحيح أنهم لا يحملون إلا سلاحا خفيفا لكنهم يحملون إلى جانب ذلك سلاحا أثقل غير قابل للكسر هي هذه الروح المعنوية العالية والعزيمة التي لا تلين والقدرة على مطاولة وصمود لا حدود لهما، ورغبة في شهادة تحفز على التعرض الجريء حيث لا يصمد أمامه بالتأكيد جيش يفتقر في قتاله للدافع وهو عنصر مهم في الحروب، جيش المالكي لا يعرف لماذا يقاتل! وإلى متى سيقاتل؟ بل لماذا هذا القتال العبثي مع شركاء في وطن واحد!
ورغم الشحن الطائفي المكثف فإن القناعة بجدوى القتال لمجرد إرضاء نزعة طائفية تكرس لنظام حكم مستبد وفاسد لم تتحقق والدليل المستوى المتدني لمعنويات المقاتلين.
لدى المالكي ما يزيد عن مليون مقاتل درب على قواعد اشتباك أمريكية انحصرت في تلبية متطلبات الأمن الداخلي وجهز لهذا الغرض بأسلحة ومعدات تقنية حديثة ومتقدمة، نعم هذا الجيش تخصص في مداهمة البيوت الآمنة في منتصف الليل، يفزع الأطفال، ينتهك الحرمات، يحتجز الأبرياء، يسمعهم ما لا يليق، يبدو سعيدا عندما يجد المواطن البريء ضعيفا عاجزا مستسلما يرتجف منه فرقاً!! أنّى لمثل هذا الجيش أن يصمد أمام مقاتل عزوم له من الدوافع النبيلة ما يبرر طلب الشهادة.. مستحيل.
بعد مرور شهر من مواجهات عنيفة وخسائر فادحة السؤال هل أدرك المالكي أن تقديره للموقف كان خطأ؟ وأن معركته بالانبار كما توقعنا خاسرة؟ وأن زج المزيد من القطعات لن يغير من مجرى العمليات بقدر ما يلحق بجيش المالكي المزيد من الخسائر ويلحق بأداته الحربية إهانة وطنية (هو يتحملها شخصيا) سوف تبقى في الذاكرة تتناقلها الأجيال، جيلا بعد جيل.
أتذكر جيدا كم حرص ممثلو حزب الدعوة وأطراف التحالف الشيعي عام 2005 على تضمين مسودة الدستور نصا جامعا مانعا – كان من المفروض – ألا يسمح مهما كانت الظروف للحاكم مستقبلا باستخدام القوة المسلحة ضد شعبه:
( المادة أ أولا / 9 من الباب الأول المبادئ الأساسية نصت: القوات المسلحة العراقية.. تدافع عن العراق ولا تكون أداة لقمع الشعب العراقي ولا تتدخل في الشؤون السياسية، ولا دور لها في تداول السلطة…)، في ذلك الوقت كانت في ذاكرة كتاب الدستور عمليات عسكرية نفذها النظام السابق في الشمال والجنوب والخشية كانت من تكرار ذلك مستقبلا، كان موقفنا مؤيدا، انطلاقا من قناعتنا بأن مهمة الجيش باعتباره سياج الوطن إنما تنصرف حصرا للدفاع ضد أي عدوان خارجي وهو كمؤسسة وطنية لا يليق أن تنزلق وتوظف كأداة في تسوية خلافات سياسية أو طائفية.. لكن كالعادة، المالكي وزمرته أول من خرق هذه المادة، وسقط في أول اختبار.
أشعر بمرارة وغضب وأنا أرى قطعات الجيش تستهدف مدنيين في الفلوجة والبو فراج والرمادي وأبو غريب والطارمية وجنوب بغداد وديالى بقصف عشوائي، كما لا أشعر بالسعادة ولم أكن أتمنى أن أرى في حياتي عربات الجيش وأسلحته ومعداته تحرق وتدمر بأيد عراقية بل أن يقع جنود أسرى بأيدي ثوار عراقيين!! هذا ما يحصل في الأنبار مع الأسف، وهو نتيجة حتمية لسياسة كارثية من شأنها لو استمرت أن تقضي على الأخضر واليابس.
طارق الهاشمي/المالكي في عدوانه على الأنبار .. حصاد مر
15
المقالة السابقة